آخر تحديث: 18 / 10 / 2025م - 8:33 م

حب وقول وابغض وقول

سراج علي أبو السعود *

لست متشائما ولا مبالغا إن قلت إن قلة قليلة من البشر هي التي تنصف من تكره، أو حتى من تحب. فالإنسان يتأثر بالحب والكره حين يمنح شهادته في شخص ما؛ فمن أحبّ شخصا بالغ في تقديره، وتغاضى عن عيوبه أو أنكرها، ومن كره آخر ألبسه شتى الموبقات، وأغفل ما فيه من خير. لماذا؟! لأن الإنسان، وفي معظم المجتمعات البشرية، لا يُربى في الغالب على الإنصاف. ولا أعني التربية بوصفها تلقينًا من والديه فقط، بل بمعناها الأوسع الذي يشمل ندرة القدوة المتصفة بهذه الخلة؛ القدوة التي تنصف العدو قبل الصديق، والمخالف قبل المؤالف. وحين نعثر بين ظهرانينا على من يتحلى بهذه الصفة النادرة، فأظن نشاهد ملاكًا يمشي على الأرض، أو شيئًا قريبًا من ذلك.

يقول شاعرنا المبدع جاسم الصحيح: «ما وراء الخمسين إلا رفاة». ولأنني أوشك على بلوغ منزلة الرفاة، فإنني أعترف بكامل أهليتي العقلية والقانونية بأنني عجزت حتى الآن أن أرى - إلا نادرًا - من يتحدث عن خصومه بإنصاف، عن من يكرههم بصدق، عن فريق رياضي يبغضه بعدل. لماذا يعجز هذا الكائن العاقل، في معظمه، عن أن يقول: عدوي صادق، من أبغضه شهم، من خالفني في تشجيع فريق؛ شجاع كريم؟! أعترف أنني دائمًا ما أسعى لأمنح: «أدون الصمخة» لكل من يتحدث بالفضائل والمثالب في مجلس ما، هذا لأنني أؤمن بالقاعدة الأصولية: «حب وقول وابغض وقول». مرد ذلك قناعتي أن دقة الإنسان في الحديث عن الآخرين نادرة إلى حد أن رؤيتها أشبه بالمعجزة. وحين ينقل لنا التاريخ أمورًا تكاد لا تُصدق، لكنها حدثت فعلًا، فإنني سأروي لأبنائي وأحفادي - إن أدركت أحدهم - وبفخر وعجب، أنني رأيتُ منصفًا يمشي في الطرقات ويأكل الطعام، وهو ليس نبيًّا ولا قديسًا.

من هذا المنبر أدعو أخي في الدين ونظيري في الخلق أن يشك في كل حديث مدح أو ذم، سواء صدر عن صديق أو عدو، ذكر أو أنثى، عربي أو أعجمي. وأدعو قبلها إلى أن نتعلم الإنصاف في حديثنا وأدبياتنا. وأحسب أننا سنبلغ إحدى أعظم قمم الأخلاق الفاضلة حين نتحلى بهذه الصفة؛ صفة تكبح جماح نفوسنا التواقة إلى المبالغة في المدح والذم. وإلى أن يتحقق ذلك، سنبقى أسرى لأنفسنا غير المنصفة، التي لا تحسن - إلا نادرًا - أن تعطي كل ذي حق حقه.