التعليم العراقي عقول تُهاجر ومدارس تنهار
يعتبر التعليم في العراق من أبرز القضايا التي تستدعي الاهتمام الجاد من قبل المؤسسات الحكومية أولًا والمجتمعية ثانيًا، حيث يعكس التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يواجهها البلد منذ عقود.
بعد عام 2003 دخل العراق في مرحلة جديدة بان تأثيرها على جميع القطاعات ومنها التعليم، حيث أدت الأزمات المتتالية إلى تفاقم الوضع التعليمي حتى وصل الأمر إلى أنه من المستحيل الحديث عن مستقبل التعليم في العراق دون التركيز على جملة من المعوقات التي تحول دون تحقيق أهدافه المرجوة، وأحببت أن أركز في حديثي عن أمرين هما انهيار المدارس وهجرة العقول.
تشير التقارير إلى أن حوالي 40% من المدارس العراقية بحاجة ماسة إلى صيانة مما يجعل البيئة التعليمية غير ملائمة للطلاب، إذ تفتقر هذه المدارس إلى الأساسيات الضرورية لتوفير بيئة تعليمية مناسبة، بما في ذلك المرافق الصحية والنظافة، الأمر الذي أثر سلبًا على صحة الطلاب ونفسيتهم وقدرتهم على التعلم. بالإضافة إلى ذلك، انخفضت مستويات التدريب والتأهيل للمعلمين، حيث لم تعد المؤسسات التعليمية قادرة على تقديم الدعم والتدريب اللازم لهم مما ساهم في تدهور جودة التعليم.
هذه الظروف وغيرها دفعت العديد من العلماء والأكاديميين إلى المغادرة إلى خارج العراق بحثًا عن الفرص الأفضل في دول أخرى. وفقًا لدراسة مركز الجالية العراقية، فإن ما يقرب من 300,000 طالب وأكاديمي اختاروا الهجرة وما زالت الرغبة عند غيرهم الكثير في ذلك، مما يعكس أزمة حادة في التعليم العالي واستنزافًا كبيرًا للموارد البشرية في البلاد. إن هجرة العقول لا تعني فقدان الأشخاص فحسب، بل تعني فقدان المعرفة والخبرة التي يمكن أن تساهم في إعادة بناء المجتمع العراقي. وتزداد المشكلة تعقيدًا بسبب ضعف الإرادة السياسية للاستثمار في التعليم وإعادة تأهيله، مما يتطلب تحركًا فوريًا وعاجلًا.
من جهة أخرى، تسعى الحكومة العراقية جاهدة لتطبيق سياسات وإصلاحات تعليمية من خلال تشريع القوانين التي تحمي المعلم وتضبط انسيابية العملية التعليمية، إلا أن هذه الجهود غالبًا ما تعاني من نقص في التخطيط والتنفيذ كما هو واضح. وعلى الرغم من بعض المحاولات للتواصل مع المجتمع الدولي من أجل الحصول على الدعم، إلا أن النتائج لم تكن مرضية، مما أدى إلى تزايد الفجوات في التعليم وبين مؤسساته.
ولا نغفل عن العوامل الاجتماعية التي لها دورٌ كبير في تدهور التعليم، حيث يعاني العديد من الأسر في العراق من الفقر وفقدان الأمن، الأمر الذي دفع بأطفالهم إلى التخلي عن التعليم من أجل العمل لمساعدة أسرهم. وتعتبر القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتشابكة حلقة مفرغة من التحديات التي تواجه التعليم، مما يجعل من الصعب تحسين الوضع التعليمي. وفقًا لتقارير اليونيسف، فإن الأطفال الذين لا يحصلون على التعليم الجيد يتعرضون لمستقبل مظلم، ويكون لديهم فرص أقل للحصول على وظائف جيدة، مما يؤدي إلى تفشي الفقر والبطالة وبالتالي الجريمة في مجتمعاتهم.
للخروج من هذا المأزق، يحتاج العراق إلى برامج استثمارية تشمل تحسين التعليم وتوفير الموارد المهمة، بالإضافة إلى الحاجة إلى استراتيجيات شاملة تجمع بين جميع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية.
في نهاية المطاف، يبدو أن العراق يقف عند مفترق طريق حاسم، فإذا لم يتم اتخاذ خطوات جادة نحو إصلاح التعليم وتحسين الظروف المرتبطة به، فقد يستمر التراجع في النظام التعليمي، وستمضي العقول الشابة في البحث عن آفاق أخرى خارج البلاد. إن النهوض بالتعليم ليس مجرد واجب حكومي، بل هو مسؤولية جماعية يجب أن تتضافر فيها الجهود الحكومية والمجتمعية والدولية لبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.