المقال رقم سبعين
قبل ما يقارب السنتين، جمعني بالمرحوم الدكتور عبدالله حسن منصور آل عبد المحسن لقاء سريع، وكما في أغلب لقاءاتي به كنت أسأله عن جديده، فأخبرني أنه يعمل على كتاب يجمع فيه مقالات كُتبت عنه أو يتم الكتابة عن تجربته، وفي الأثناء طلب مني كتابة مقال بحكم معرفتي بأغلب اهتماماته، وسيكون المقال رقم سبعين في الكتاب.
ولكن وكما أغلب أمورنا، يمضي الوقت بالتسويف، على أمل أن في الوقت متسعًا لكتابة المقال. والحقيقة أنني احترت في كتابة المقال من أين أبدأ في لملمة هذا الكنز الكبير، فهو المربي والمعلم، والرياضي العريق، والكاتب المهتم بشؤون تراث المنطقة، وأخيرًا وليس آخرًا الكاتب المسرحي المهتم بمسرح وأدب الطفل.
كل تلك المجالات التي خاض غمارها «أبو فراس» جعلتني محتارًا في أي المجالات أكتب عنه، وأنا الذي تعرفت عليه عن قرب في سنة 2008 من خلال فرقة المخاتير، التي يديرها ابنه المهندس حسين آل عبد المحسن، وكنت وقتها مسؤول الإعلام بالفرقة. وهذا ما جعلني بحكم تردد الدكتور عبدالله آل عبد المحسن على الفرقة ومسرحياتها أن أكون قريبًا منه.
ذلك القرب وتلك المعرفة، جعلتني أمام كنز كبير جدًا، كنز من المعلومات والحكايا والقصص، تبدأ من مباريات كرة القدم التي كان نجمًا فيها، إلى رئاسة نادي الهدى بتاروت، وما بينهما كان المسرح دائمًا هو الأقرب إلى قلبه، سيما مسرح الطفل الذي يعتبر «الأستاذ عبدالله» أول من كتب عنه في سبعينيات القرن الماضي، بشهادة وثائق الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وصحيفة اليوم وغيرها.
هذه الكتابة السريعة لن أعتبرها ذلك المقال الذي طالبني «أبو فراس» بكتابته، بل هو خاطرة سريعة، أكتبها وأنا أتذكر تلك الجلسات واللقاءات التي جمعتني به وما أكثرها، لقاءات بدأت بصداقة أولاده الأعزاء حسين وحسن وعلي وأحمد، لأجد نفسي صديقًا لوالدهم، يهتم بالسؤال عني، كلما افتقدني بغيابي لفترات عن أولاده وزيارتهم في منزلهم. فلطالما كان عندما يفتقدني لفترة أجد رسالة منه: «متى نشرب شاي يا حلو».
وبالحديث عن المسرح واهتمامه الكبير به، كنت كثيرًا ما أحاول إخراج أكبر عدد من القصص القديمة بتاروت، ومنها وعلى رأسها كان إقامة مسرح في النادي أيام فترة رئاسة الدكتور عبدالله للنادي. فهو رأس النادي لفترتين رئاسيتين، الأولى كانت في ثمانينات القرن الماضي، والتي انتقل فيها النادي للمقر الحالي بحي الدشة، حيث عمل الدكتور على إقامة مسرح في النادي، بحكم اهتمامه بالمسرح، وأيضًا لأن الأندية كانت في تلك الفترة تضم بالإضافة للجانب الرياضي، كُلا من الجانب الثقافي والاجتماعي.
وبالرغم من معرفتي بأنه خلف السعي لإقامة المسرح، إلا أنه كما في الكثير من أحاديثه، يتجنب الحديث عن نفسه، ويعطي من يعمل معه حقهم وجهدهم، لذلك كان كثير الإشادة بزملائه في إدارة النادي، وفي الأشخاص الذين كان لهم دور في انتقال النادي وإقامة المسرح فيه، فلم يكن يجير العمل له رغم معرفتي ومعرفة الكثيرين بأنه هو صاحب فكرة المسرح، وأول من ألّف المسرحيات التي أقيمت في النادي ومنها مسرحية «الكريكشون».
وهذه المسرحية «الكريكشون» لها قصة وذكرى جميلة جمعتني «بأبي فراس»، فأنا والكثير من الأجيال الجديدة لم نحظَ بفرصة مشاهدة عروض مسرحية من أعمال الدكتور عبدالله آل عبد المحسن قديمًا. ولكن في سنة 2009 خطرت في باله إعادة تمثيل إحدى مسرحياته، «الكريكشون»، وهي مسرحية كان قد ألفها في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وقام بتمثيلها مجموعة من الأطفال بتاروت.
استغل الدكتور عبدالله وجود مجموعة من الأطفال والشباب اليافعين بفرقة المخاتير، فقرر إجراء تعديل بسيط على النص القديم، وإعادة تمثيله من خلال هذه المجموعة الجديدة. وأتذكر جيدًا أن هذه التجربة أعادت «أبا فراس» لماضٍ مرّ عليه أكثر من 30 سنة، فتذكر ذلك الجيل من الأطفال الذي قام بتمثيلها سنة 1976 ميلادية، وأخذ يعدد لي أسماءهم، وأين هم الآن في مشوار الحياة. حتى إن بعض من اشتركوا في تمثيل المسرحية في نهاية السبعينات، يشارك الآن أولادهم بالتمثيل في «النسخة الحديثة» للمسرحية في عام 2009 م.
وفي الحقيقة هذه القصة البسيطة هي جزء يسير من ذكرياتي معه، فالحديث عن الماضي لم يكن «نستولوجيا» فقط، بل كنت أحاول الحصول على أكبر قدر من المعلومات وتوثيقها، هذا المشروع كان أحد أهم الأمور التي كنت أحاول أن يعمل الدكتور عبدالله حسن آل عبد المحسن عليها، وهي كتابة ما يشبه المذكرات، خصوصًا التي تخص نادي الهدى، بالفرق التي سبقت تأسيسه في عام 1396 هـ في تاروت.
وعلى سيرة نادي الهدى، كان «أبو فراس» يعدد لي الكثير من الأنشطة التي كانوا يقومون فيها بالنادي، فبالإضافة لوجود ما يقارب 16 لعبة فردية وجماعية بالنادي، والذي أصبح كما قال لي أشبه بخلية نحل في كل الألعاب، يتذكر الدكتور أيضًا أن النادي فعّل الأنشطة الثقافية والاجتماعية، ومنها إقامة نشاط يهدف للتقوية الدراسية، حيث يهتم هذا النشاط بتقديم دروس تقوية للاعبي النادي المحتاجين للتقوية، وقد استقطب النادي العديد من المعلمين بتاروت لهذا الأمر.
الحديث عن «أبي فراس» كثير وكبير، وصدمة وألم وفاته أصاب الكثير من أبناء المجتمع، لما عرفوه عنه من محبة كبيرة للجميع، الصغير قبل الكبير، سيرته النقية بين الناس أثمرت ذلك التشييع الكبير، وعشرات الكتابات التي غصّ فضاء شبكات التواصل الاجتماعي بها، دليل الحب والعمل الكبير الذي قدمه في حياته. فرحمك الله يا «أبا فراس» بواسع رحمته، وجزاك الله كل خير لما قدمت في هذه الحياة.