المطففين في مجتمعاتنا
المُطفِّف: هو الشخص الذي يغش الناس في المعاملات التجاريّة، وفي بضاعته ينقُص في الكيل أو الوزن فيُبخَس حقوقهم، وهو معنى جاء من كلمة ”طفيف“ التي تعني الشيء اليسير أو القليل، وقد يتوسع المعنى بحسب الظاهر ليشمل كل مَن يُبخَس الناس حقوقهم سواء في البيع والشراء والمعاملات المادية أو حتى في المشاعر والعلاقات الاجتماعية.
الله سبحانه وتعالى خصَّ في كتابه الكريم ”المطففين“ بسورة كاملة، جعلها تتكلم عن الناس الذين يغشوا في الكيل والميزان وفي معاملاتهم التجارية، ولتكون رادعاً لعباده باجتناب الغش في أي مجال فيه تعاملات، مثل الأمانة في العمل والصدق وعدم الكذب في التعاملات المالية بين الناس أو حتى في وعودنا مع بعضنا بعضًا، والغاية تعني أن الإنسان يجب أن يكون أميناً وعادلاً في كل تصرفاته.
إن كلمة ”مطفف“ مأخوذة من الشيء الطفيف، أي القليل الذي قد يراه الناس بسيطاً أو غير مهم، فمثلاً: البائع أثناء وزنه للبضاعة قام بنقص جرامات قليلة من عدة كيلوجرامات هو يعتقد إنه شيء بسيط، أليس كذلك؟ لكنه عند الله تعالى شيء عظيم، حيث بدأ سورة المطففين في القرآن الكريم بوعيدٍ رهيب: ”ويل للمطففين“ وكلمة ”ويل“ هنا كما فسرها العلماء تعني: وادٍ في جهنم يسيل من صديد أهلها.
الصّدق بمثابة الرأس للجسد فمن لا رأس له فلا حياة له، وكذلك الحال مع الدّين والإيمان فمن لا صدق له لا دين له ولا إيمان، فأي أخلاقٍ تلك التي تكون عند الإنسان بلا صدق ولا دين ولا إيمان؟!!، فقد ورد عن الإمام علي : الصدق رأس الدين ورأس الإيمان، ولو تأمّلنا قليلاً لما ورد عنه
لتنبهنا إلى أنّ من لا صدق له لا رأس لدينه ولا لإيمانه، قال رسول الله ﷺ: لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة.
ويدخل في هذا السياق الشرعي الأخلاقي بعض ما يصدر من بعض تجار العقار الذين يعملون على رفع أسعار الأراضي بلا رحمة، ويتسببون في تنكيل الناس بالديون والمعاناة، وأيضا ما يجري في بعض الملاحم التي تستورد اللحوم والدجاج الخارجي وتباع على الناس على أنها محلية وطازجة! وكذلك ما يحدث في بعض المطاعم والبوفيهات التي تدار بأيدٍ أجنبية، حيث يخلطون القليل من اللحم أو الدجاج الطازج بالكثير من المستورد.
ولا ننسى أيضاً ما يدور في المدارس من بعض المعلمين الذين يتعاملون بالتمييز وعدم العدل بين الطلاب بناءً على ظروفهم الاجتماعية أو المالية، وهذا يعتبر نوع من عدم الأمانة أو عدم الإنصاف بالرسالة التي يحملها المعلم، فالأفضل دائماً أن يكون المعلم عادلاً مع كل الطلاب بغض النظر عن خلفياتهم، وهذا سوف يخلق بيئة تعليمية أفضل وأكثر إنصافاً بين الطلاب.
ختاما: فليعلم الكثير من الناس ليتهم يعلمون بأن ”التطفيف“ ليس مجرد غش في الميزان، بل هو نقص في العدل وغياب للضمير عند البعض، وأن القيمة المطلقة للإنسان هي بالأخلاق وبما يملك من ضمير وإنسانية في معاملاته التجارية والإنسانية، لا بما يملكه من مال أو جاه أو نفوذ.