آخر تحديث: 19 / 10 / 2025م - 2:05 ص

ما بين الدين والأخلاق

أمير بوخمسين

كثيرًا ما يذهب بعض المفكرين في الغرب إلى أن الأخلاق يمكن أن تُبنى بمعزل عن الدين، ويعتبرونها مجرد علم يحلل السلوك الإنساني، أو فلسفة تبحث في معايير الخير والشر. لكن عند التأمل نجد أن الأخلاق بلا دين تفتقد إلى المرجعية الثابتة، فهي تتبدل بتبدل المصالح والظروف، بينما يرسخ الدين قيمًا راسخة تنبع من مصدر أسمى من الأهواء البشرية.

القرآن الكريم يربط الإيمان بالأخلاق ربطًا وثيقًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل: الآية 90]، ويقول: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: الآية 83]، والرسول ﷺ يختصر رسالته كلها في قوله: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق». هذا التكامل بين العقيدة والسلوك يوضح أن الدين لا يضيف الأخلاق كزينة، بل يجعلها في صميم رسالته. ويعتبر الدين عاملاً مهمًا في تشكيل الأخلاق وتعزيز السلوكيات الإيجابية في المجتمعات من خلال الأدوار التي يقوم بها، كتحديد القيم الأخلاقية، حيث يقدم الدين معايير وقيمًا تحدد ما هو صواب وما هو خطأ، مما يساعد الأفراد على اتخاذ قرارات أخلاقية، وتوجيه السلوك، إذ يوفر الدين إرشادات حول كيفية التصرف في مختلف المواقف، مما يعزز السلوكيات الإيجابية، وتعزيز الهوية والانتماء، إذ يقوم الدين بدور مهم في تشكيل الهوية الثقافية والاجتماعية، مما يعزز روح الجماعة والمشاركة، وتحفيز السلوكيات الطيبة، حيث كثير من الأديان تشجع على القيم مثل الكرم والعطاء والرحمة، مما يؤدي إلى تعزيز السلوكيات الإيجابية في المجتمع، وتوفير الدعم الروحي للأفراد في مواجهة التحديات الأخلاقية، مما يعزز قدرتهم على التمسك بالقيم، وتنمية الوعي الأخلاقي لمساعدة الأفراد على تطوير وعيهم الأخلاقي وفهم العواقب الاجتماعية والأخلاقية لأفعالهم. إن للأخلاق جانبًا فلسفيًا يُناقش، وجانبًا علميًا يُدرس، لكن الدين يضيف لها ما لا يملكه غيره: الإلزام والرقابة الداخلية، حين يربط السلوك برضا الله والجزاء الأخروي. فالعلم يصف، والفلسفة تناقش، أما الدين فيوجّه ويلزم.

ومن المهم أن نميز بين الدين في جوهره وبين ممارسات بعض المنتسبين إليه. فالمتدين الفاسد الذي يصلي ويصوم ثم يغش أو يظلم لا يُحاكم به الدين، بل نفسه فقط. القرآن الكريم يقول: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف: الآية 3]، وهنا تتضح الحقيقة: فساد الأفراد لا يعني فساد الدين، بل تقصيرهم في الالتزام به.

كيف يؤثر الدين على الأخلاق في المجتمعات العلمانية؟ يؤثر الدين على الأخلاق في المجتمعات العلمانية بطرق متعددة، وبالرغم من أنها لا تعتمد على الدين كمصدر رئيسي للقيم الأخلاقية، إلا أن الدين ترك تأثيرًا فيها، وذلك من خلال التاريخ الثقافي لهذه المجتمعات، فإن العديد من هذه المجتمعات تحمل تأثيرات تاريخية من الأديان، إذ تشكلت القيم الأخلاقية والاجتماعية على مر العصور تحت تأثير الدين. كذلك القيم المشتركة في هذه المجتمعات، يمكن أن نجد قيمًا أخلاقية مستمدة من التعاليم الدينية، مثل العدالة والرحمة والصدق، التي تتبناها معظم الأديان. إضافة إلى التنوع والاحترام اللذين يعززان قيم الاحترام والتسامح تجاه الآخرين، مما يساعد على التعايش السلمي بين مختلف الثقافات والأديان. بعض المفكرين يرون أن الدين يقدم إطارًا لنقاش الأخلاق الإنسانية، مما يساعد الأفراد على فهم القضايا الأخلاقية بشكل أعمق، والعمل الخيري والمبادرات الاجتماعية، حيث إن العديد من المنظمات الدينية تشارك في العمل الخيري، مما يعزز القيم الاجتماعية مثل الكرم والتضامن. وبالرغم من أن هذه المجتمعات قد تبتعد عن الدين كمصدر أساسي للأخلاق، إلا أن تأثير الدين يظل موجودًا ويتجلى في قيم وممارسات متنوعة.

إن الأخلاق التي تستند إلى الدين تظل ثابتة، لأنها متصلة بمصدر أعلى من تقلبات البشر. أما الأخلاق التي تنفصل عن الدين فهي أشبه ببناء بلا أساس، قد يبدو قويًا للحظة، لكنه لا يصمد أمام عواصف الحياة. الأخلاق بلا دين رأي يتغير، أما الأخلاق بالدين فهي عهد مع الله لا يسقط بتغير الزمان والمكان.