دروازة مسورة الدبَّابيَّة.... بوابة الماضي
لم تكن الدروازة مجرد مدخل أو مخرج من البلدة، بل كانت رمزًا للأمان، فهي بوابة عبور لماضي جميل، كانت شاهدة على تفاصيل الحياة اليومية لأهالي البلدة.
وتعتبر ”دروازة الدبابية“ كأحد المعالم التراثية البارزة في منطقة القطيف، والتي لا تزال حاضرة في ذاكرة حتى اليوم.
مع العم الحاجّ سعيد صالح علي المسلم ”أبو عادل“ - حفظه الله ورعاه - في منزله العامر بحي الجعيلي بالدبَّابيَّة، الذي حدثنا عن ”دروازة الدبابية“، مستعرضًا تفاصيلها الدقيقة التي حملت لنا ملامح من الماضي.
تظهر هذه الصورة النادرة مشهدًا قديمًا من بلدة الدبابية التراثية ذات الأسوار العالية الذي يصعب تسلقها بسهولة، حيث تتجلى ملامح العمارة التقليدية المبنية من الطين والحجارة، والتي كانت سائدة في المنطقة. وقد أورد الرحّالة البريطاني النقيب جورج فورستر سادلير المنوفي «ت: 1859 م/1275 هـ» عند رحلته عبر الجزيرة العربية من القطيف في الخليج إلى ينبع في البحر الأحمر خلال عام «1819 م/ 1235 هـ» في صفحة [63] عن محافظة القطيف وقراها، أن عدد سكان الدبيبية «الدبابية»، قدّر حينها بنحو 1200 نسمة.
تقع البوابة ”دروازة“ الدبَّابيَّة الرئيسية في الجهة الشرقية، ويُفتح بابها باتجاه الشمال، مقابل منطقة النخيل المعروفة بـ ”الطف“ سابقًا، والتي تقابل حاليًا مدرسة زين العابدين الابتدائية، يجاروها من جهة اليمين منزل الحاجّ عبد الرحيم محمد إخوان «ت: 1391 هـ» من جهة اليسار منزل الحاجّ محمد علي جواد حسن إخوان «ت: 1365 هـ».
موقع دروازة الدبابية حسب النظام العالمي لتحديد المواقع Gps
تُظهر هذه الصورة التاريخية، التي التقطها المصور البريطاني ويلفرد باتريك عام «1364 هـ / 1945 م» أي قبل نحو 80 عامًا، البوابة الرئيسية المعروفة بـ ”الدروازة“ مع سورها العالي الملاصق لبلدة الدبابية، وتقابلها من الجهة الأخرى نخيل يُعرف باسم ”نخيل الطف“.
«من اليمين» المرحوم الحاجّ عبد الرحيم محمد إخوان، وهو صاحب المنزل الواقع بجوار دروازة الدبابية من جهة اليمين «من اليسار» المرحوم الحاجّ محمد علي جواد إخوان، وهو صاحب المنزل الواقع بجوار دروازة الدبابية من جهة اليسار.
تتميّز الدروازة بقوة بنائها وطابعها المعماري البسيط والمتين، إذ كانت تُشيّد من الطين والحجارة المحلية، وتُدعم بأخشاب صلبة مثل خشب الجندل، ما يمنحها ثباتًا ومتانة مع مرور الزمن.
وتتكوّن الدروازة من مدخل رئيسي واسع يضم البوابة الكبيرة، تليه غرفة مفتوحة بمساحة إجمالية تُقدّر بنحو 24 مترًا مربعًا تقريبًا، تمتد من البوابة حتى المخرج دون وجود الباب الداخلي للبلدة، وعلى جانبي الغرفة الداخلية، يوجد ”جلْفَتان“ «دكّتان» مبنيتان بمحاذاة الجدارين الجانبيين، خُصّصتا لجلوس الحراس أو الأهالي. أما جدرانها، فيتراوح ارتفاعها ما بين 4 إلى 5 و 4 أمتار تقريبًا.
تظهر في الصورة دروازة بلدة الدبابية ومدخلها الرئيسي التي تمثّل البوابة التي يعبر منها الأهالي والزائرون، وتحمل طابعًا معماريًا تقليديًا يعكس أصالة المكان التاريخية.
باب الدروازة هو باب خشبي تقليدي يتكوّن من درفتين، يبلغ طول كل منهما نحو 2.7 متر، بعرض يقارب 40 و 1 متر تقريبًا، وسماكة تتراوح بين 8 إلى 10 سنتيمترات، ما يعكس صلابته ومتانته. ويحتوي الباب الكبير على باب ذات فتحة صغيرة تُعرف بـ ”الفرخ“، ويأخذ شكلًا مقوّسًا من الأعلى، بطول يصل إلى 130 سم، ويُستخدم لعبور الأفراد دون الحاجة إلى فتح الباب بالكامل، مما يسهل حركة الدخول والخروج.
وقد صُمم الباب الكبير ليكون واسعًا بما يكفي لتسهيل حركة الأهالي، ومرور المواشي، والجِمال، والحمير، إضافة إلى العربات الكبيرة التي تحمل البضائع. وكان يؤدي دورًا مهمًا في تنظيم الدخول والخروج من البلدة، إلى جانب دوره الدفاعي في حماية البلدة في تلك المرحلة.
كان حُرّاس أو ما يُعرف بـ ”النواطير“ [1] ، الدروازة من رجال البلدة، يتولّون مهمة فتحها صباحًا وإغلاقها مباشرة بعد صلاة المغرب، إذ يتحكم بها الحراس أو المسؤولين في البلدة إذ لا يُسمح بالدخول إلى البلدة بعدها، في إجراء أمني معتاد هدفه الحفاظ على عامة سكان البلدة. وقد شكّل هذا النظام البسيط جزءًا من التنظيم المعمول به في تلك الفترة. من التعاون والانضباط بين الأهالي.
وفي مطلع الستينيات، أُوكلت مهمة فتح وإغلاق الدروازة رسميًا إلى الحاجّ علي بن منصور الحجري، المعروف بـ «أبو عبد الكريم»، والذي كان موظفًا في بلدية القطيف، وتوفي عام 1370 هـ.
لم تكن الدروازة مجرد ممر للعبور، بل كانت مساحة نابضة بالحياة اليومية، تحوّلت إلى ساحة لتجمع أهالي الحي. ففي ساعات الصباح الباكر، اعتاد الرجال وخاصة عمال البناء التجمع عندها طلبًا للعمل، بحيث ينتظرون مرور أساتذة البناء لأخذهم إلى مواقع العمل في تعمير بيوت القطيف، وفي أوقات أخرى، كانت تشكل ملتقى لتبادل الأحاديث الودية، مما جعل منها رمزًا للألفة والتعاون بين أبناء البلدة.
العم الحاجّ أحمد بن منصور بن جواد السويكت ”أبو عبد الواحد“ - حفظه الله ورعاه - الذي كان من بين العمال الذين اعتادوا الجلوس في ”الدروازة“ في الصباح الباكر، في انتظار فرص العمل في مهنة البناء، كما كانت عادة الكثير من رجال البلدة آنذاك.
كما كانت ”الدروازة“ في أواخر الخمسينيات من القرن الهجري الماضي محطة مهمة لتوزيع المساعدات الحكومية، خاصة ما يُعرف بـ ”كسرة التمر“، وهي التمور التي كانت تُقدَّم للأسر المحتاجة. وقد استفاد من هذه المعونة عدد كبير من أهالي القطيف، بما فيهم المحتاجين من سكان بلدة الدبَّابيَّة. ومع دخول الستينات، توسعت هذه المساعدات لتشكل مواد غذائية أخرى مثل الأرز والعدس، وكان ذلك يتم تحت إشراف عمدة بلدة الدبابية الوجيه السيد أحمد آل ماجد «ت: 1389 هـ»، الذي كلف السيد صالح بن علوي آل السيد صالح «ت: 1373 هـ» بتولي عملية التوزيع داخل الدروازة. وفي أواخر حياته، اعتاد السيد أحمد آل ماجد الجلوس عصرًا في الدروازة، حيث كان يجمعه بكافة أبناء بلدته كبارًا وصغارًا في مشهد يعكس عمق الروابط الاجتماعية.
«يمين» الوجيه السيد أحمد آل ماجد ”عمدة الدبابية“ «يسار» السيد صالح بن علوي آل السيد صالح
يٌعد برج الدروازة جزءًا من الطابع الدفاعي الذي تميزت به بلدة الدبابية مع أبراجها الأخرى، ويقع بجانب بوابة الدخول المعروفة بـ ”الدروازة“، وكان يستخدم لأغراض الحراسة والمراقبة، حيث يوفّر رؤية واضحة لمحيط البلدة، مما يساعد الحراس في تأمين البوابة ورصد أي حركة غير معتادة لضمان الأمن.
وتحتوي الدبابية ثمانية أبراج موزعة في أماكن مختلفة على النحو التالي: -
• برج الدبيبيات: يقع في منزل العلّامة الشيخ علي بن مكي السويكت.
• برج الدروازة: يقع بجانب دروازة الدبابية من جهة منزل بيت إخوان.
• برج بيت المحيشى: يتوسط بين برج الدروازة وبرج أبو الطعام.
• برج مسجد السدرة: يعرف أيضًا باسم ”برج الشيخ محمد“، ويقع في الجهة الجنوبية الشرقية من البلدة.
• برج أبو الطعام: يقع في البيت القديم للملّا باقر عبد الكريم المدن في الركن الشمالي الشرقي للدبابية مقابل دروازة المخضب في شارع الحرية.
• البرج الجنوبي: يقع بين مسجد السدرة وبرج الدبيبيات.
• البرج الغربي: يقع في منزل الحاج عبد الله أحمد حمادة.
• البرج الشمالي: يقع في منزل آل غريب، في الجهة الشمالية للبلدة، محل موقع العين الشمالية.
تشكّل هذه الأبراج شاهدًا على الطراز الدفاعي التقليدي، وعلى أهمية التنظيم الأمني في تخطيط البلدة.
لقد أزيلت دروازة الدبَّابيَّة عام «1968 م/ 1388 هـ» في إطار مشاريع التوسعة الحديثة والتطوير العمراني التي شملت بلدات عدة في منطقة القطيف آنذاك، وذلك لفتح الطرق وتسهيل حركة التنقل داخل الأحياء. وقد أسفرت هذه الأعمال عن اختفاء العديد من المعالم العمرانية التقليدية، ومن بينها هذه الدروازة التي كانت تُعد أحد المعالم التاريخية البارزة لبلدة الدبابية. وقد أشرف على عملية إزالة أسوار الأحياء في منطقة القطيف مجموعة من الأشخاص، ومن بينهم السيد صالح السيد هاشم الهاشم ”أبو سيد محمد“ «ت: 1410 هـ» من أهالي الدبابية، والذي كان يشغل منصب مدير بلدية مدينة صفوى في تلك الفترة.
موقع إزالة دورازة الدبابية - السيد صالح السيد هاشم الهاشم
يظهر أمام الصورة مدخل بلدة الدبابية بعد التوسعة عام 1400 هـ.
البوابات الصغيرة المعروفة قديمًا باسم ”الخادعة“ والتي تُستخدم كبوابة صغيرة يدخل أو يخرج من خلالها الأفراد من الحي بسهولة، وقد تميزت بلدة الدبابية بوجود عددًا منها، وهي: -
• الخادعة التي تقع بجوار منزل العلّامة الشيخ علي بن مكي السويكت «ت: 1352 هـ»، وكانت مخصصة لاستخدامه الشخصي فقط، حيث تفتح مباشرة على بيته.
• الخادعة التي تقع بجوار بيت آل رقيّة، وكانت تُستخدم للدخول من قِبل أهالي الأحياء المجاورة للدخول إلى المسجد المزار وأداء الصلاة خلف العلّامة الشيخ منصور علي المرهون «ت: 1362 هـ».
• الخادعة التي تقع بجوار مسجد السدرة أو الشيخ محمد المعروف اليوم باسم مسجد المناميين.
• الخادعة التي تقع بجوار منزل الوجيه السيد مكي السيد ماجد المشقاب «ت: 1357 هـ»، الذي كان يشغل منصب مدير جمرك ميناء القطيف آنذاك، وكانت هذه الخادعة مخصصة له ولأفراد عائلته.
• الخادعة التي تقع في الجهة الغربية من بلدة الدبابية بجوار منزل الحاجّ عبد الله أحمد مهدي حمادة «ت: 1424 هـ» عند المدخل الغربي للبلدة. حاليًا في موقع محل تصليح الكهربائي للسيارات في شارع الفارابي.
1- الحاج أحمد منصور السويكت
2- الحاج عبد المجيد علي المخامل
3- الحاج يوسف إسماعيل حبيب آل إسماعيل
4- السيد ماجد السيد جعفر آل ماجد