ولا يهون النفط «9»: دول مجلس التعاون والفرصة الفائتة
الذي قالته في اجتماع الوزراء السنوي لدول مجلس التعاون الخليجي الذي عُقد في الكويت قبل يومين «2 أكتوبر 2025»، حيث ألقت فيه كريستالينا غورغييفا، العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي، كلمة افتتاحية، مُذَكرةً بمقولة عربية ذائعة «في الاتحاد قوة»، حيث أكدت أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية «نقطة مضيئة» في الاقتصاد العالمي رغم التحديات المتزايدة، مثل التوترات التجارية والجيوسياسية وانخفاض أسعار النفط، وأن نموّ الاقتصاد الخليجي إجمالًا متوقع أن يتسارع إلى نطاق 3 بالمائة - 3.5 بالمائة في 2025، وأن يقترب من 4 بالمائة في 2026، مدعومًا بمرونة الاقتصاد غير النفطي والإصلاحات الهيكلية.
وفي هذا السياق، حددت د. غورغييفا أربع أولويات رئيسية كعنصر أساسي لتعزيز المرونة والتنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية:
1- التكامل المالي: «تعميق الأسواق المالية المحلية - خاصة من خلال تطوير أسواق السندات المحلية لإطلاق رأس المال طويل الأجل للاستثمارات وزيادة مرونة استراتيجيات التنويع أمام تقلبات أسعار النفط وعدم اليقين لدى المستثمرين الأجانب»، وأن «التكامل المالي الأكبر، بما في ذلك توحيد اللوائح وتنسيق الإشراف عبر دول مجلس التعاون الخليجي، سيحسن تعميق السوق المالية ويستفيد المنطقة».
2- التكامل التجاري: «التكامل التجاري يجب أن يظل أولوية قصوى». وأشارت إلى أنها تحدثت العام الماضي عن التجارة داخل مجلس التعاون الخليجي، مضيفة هذا العام أهمية تعزيز العلاقات مع الشركاء التجاريين خارج المنطقة، مثل أفريقيا، حيث تضاعفت التجارة إلى أكثر من 100 مليار دولار لكنها لا تزال تمثل 7-9% فقط من إجمالي التجارة الخليجية. وقالت إن «تبسيط الحواجز غير الجمركية، بما في ذلك في سياق الاتفاقيات التجارية المفاوض عليها على مستوى الدولة أو مجلس التعاون الخليجي، يمكن أن يلعب دورًا مهمًا».
3- التنويع والقطاع الخاص: أن «التنويع الاقتصادي الحقيقي يعتمد على قطاع خاص ديناميكي»، مشيدة بتقدم دول مجلس التعاون الخليجي في الذكاء الاصطناعي والشراكات مع الشركات العالمية، مما يعزز البنية التحتية الرقمية ويجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. وأشارت إلى أن التكامل يساعد في استغلال المزايا التنافسية مثل الوصول إلى الطاقة لمشاريع مثل مراكز البيانات.
4- التحديات والمخاطر: حذرت من أخطار مثل انخفاض أسعار النفط أو تفاقم التوترات التجارية، التي قد تبطئ النمو غير النفطي بنسبة 1.3% في السيناريو السلبي، ودعت إلى سياسات مالية حذرة وتعزيز الاحتياطيات لضمان الاستدامة طويلة الأجل.
أما الذي لم تقله فهو أن الاقتصاد الخليجي، أي اقتصادات الدول الست مجتمعةً، هو عاشر أكبر اقتصاد عالميًا من حيث الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل مناسبًا أن يسعى لتأسيس مجموعة العشر الكبار «G10»، وأن يكون عضوًا مؤسسًا فيها، يُضاف إلى ذلك أن ترتيب الاقتصاد الخليجي الخامس عالميًا من حيث صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والسادس من حيث قيمة التجارة الدولية، والأول من حيث قيمة أصول صناديقه السيادية، والثاني من حيث استقطاب العمالة الوافدة. إذن نحن أمام قوة اقتصادية مبهرة واقعًا وليس تصورًا، وما سيجعلها أكثر إبهارًا أن تتكامل سوياً، تمامًا كما يقول النظام الأساسي للمجلس واتفاقيته الاقتصادية الموحدة.
وما دام الحديث المتواتر في دول المجلس من حيث التوجه الاقتصادي استراتيجيًا هو حثيث نحو التنوع لتخفيف الاعتماد على النفط، فيبرز مثال مُبهر كذلك - يُحتذى بهِ - لتكتلٍ اقتصادي هو الأكبر عالميًا والأكثر حيوية - في تقديري - وهو تكتل «الآسيان»، الذي يجمع - كما هو واضح من الاسم - دولًا آسيوية ناهضة اقتصاديًا، وهي: بروناي، وكمبوديا، وإندونيسيا، ولاوس، وماليزيا، وميانمار، والفلبين، وسنغافورة، وتايلند، وفيتنام. ولن يفوت المتابع أن بين بعض هذه الدول «ما صنع الحداد»، وبينها دول غاية في الضخامة مساحةً وسكانًا وأخرى من بين الأصغر في العالم مساحةً وسكانًا، لكن ذلك لم يحل دون تقارب اقتصادي، يُجسده حجم التجارة البينية «21 بالمائة»، ومدى التنوع ولا سيما في قطاع التصنيع، ما جعل اقتصاد مجموعة الآسيان رقمًا عالميًا صعبًا، دَوَّنَ قصص نجاح متوالية في استقطاب الاستثمارات وتموضع سلاسل الإمداد العالمية؛ فعلى الرغم من أن قيمة اقتصاد الآسيان تعادل ضعف الاقتصاد الخليجي وضعف تجارته الدولية، إلا أن اقتصاد الآسيان يستقطب أربعة أضعاف ما يستقطبه الاقتصاد الخليجي من استثمارات مباشرة.
فما الجديد في الدعوة إلى التكامل الاقتصادي الخليجي، وقد تأسس المجلس منذ 46 عامًا ووقّع الاتفاقية الاقتصادية الموحدة كذلك قبل 46 عامًا «عُدلت فيما بعد في عام 2001»؟
الجديد هو الفرصة التاريخية المستجدة والمهيأة والمتمثلة في رغبة الدول الست في تخفيف الاعتماد على النفط، ورسملة تقدمها في التحول الرقمي وتفعيل مبادراتها في الريادة في التقنية المزعزعة «الذكاء الاصطناعي». وحيث تُعرف الأشياء بأضدادها، ففي حال عدم التكامل المتحقق، فثمة فرصة فائتة تتمثل في فقدان جزء من النمو الاقتصادي، وفي الحد من الاستثمار في مشاريع استراتيجية في الطاقة والنقل والتقنية ولا سيما الذكاء الاصطناعي، وفي تقلص القدرة التفاوضية العالمية، وفي تكاليف البنية التحتية المكررة. ولعل التعرف على مقدار القيمة الفائتة يتطلب جهدًا بحثيًا أعمق ونمذجةً أدق، لكن ما يمكن الخلوص إليه إجمالًا هو أن قيمة الفرص الفائتة في حال الإحجام لن تقل عن ضخامة المكاسب التي ستتحقق في حال الإقدام والسعي الحثيث لجعل التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الست واقعًا ملموسًا وليس مجرد طموحٍ يُرتجى.