آخر تحديث: 18 / 10 / 2025م - 5:43 م

موقف تضامني عالمي مع فلسطين

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

لم تكتسب قضية فلسطين، منذ النكبة عام 1948، حضوراً عالمياً كالذي نشهده الآن في بقاع كثيرة من الكرة الأرضية. وكانت نتيجة ذلك، أن إسرائيل التي ظلت باستمرار ترفع عقيرتها بحق كل من يعارض سياساتها، موجهة تهمة العداء للسامية. إلا أن حرب الإبادة والقتل والتجويع والتعطيش التي مارستها الإدارة اليمينية الإسرائيلية، إلى مستوى مختلف، كشفت زيف دعاوى الاحتلال، وخطل مقولاته.

وحتى يوم الجمعة المنصرم، كان العالم كله يصطف في جانب واحد، والولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب، وحكومة نتنياهو في جانب آخر، يؤكد ذلك التظاهرات والاحتجاجات التي عمت الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، والقارة الأوروبية. وكان الأبرز في حركة التضامن هي أساطيل الصمود التي شملت أكثر من أربعين سفينة، والمواقف الشجاعة للشعبين الإسباني والإيطالي. لقد مارس الشعبان في البلدين، ضغوطاً هائلة على حكومتيهما لتغيير سياستهما تجاه الممارسات العنصرية وحرب الإبادة التي مارستها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.

اكتشف الرئيس الأمريكي، ترامب حجم الخسائر التي لحقت بسمعة بلاده، جراء الانحياز الأعمى لسياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، وقرر قلب الطاولة رأساً على عقب. طالب بوقف قصف قطاع غزة فوراً، من أجل السماح بالإفراج عن المحتجزين، واعتبر أن بيان حركة حماس مؤشراً على أنهم مستعدون لسلام دائم.

جاء حديث ترامب، عقب إصدار حماس، بياناً أكدت فيه موافقتها على الإفراج عن كل الأسرى، أحياء وجثامين، وفقاً لخطة الرئيس الأمريكي التي أعلن عنها في وقت سابق. من جانبه، أوضح ترامب أن النقاش جار بشأن التفاصيل التي تتطلب العمل عليها لتنفيذ خطة إنهاء الحرب في غزة. وأكد أن الأمر لا يتعلق بغزة فحسب، بل بالسلام الذي طال انتظاره في الشرق الأوسط.

في كلمة ألقاها، من المكتب البيضاوي أشاد ترامب بالحلفاء الذين ساهموا بالعمل على التوصل إلى اتفاق بين حماس وإسرائيل، وقال هذا يوم مميز وغير مسبوق. وأعاد قوله إن يوم الجمعة مميز للغاية. وتعهد الرئيس ترامب، بأن يجري التعامل مع جميع الأطراف بإنصاف، بموجب خطته للسلام وجدد القول إنه يتطلع إلى إعادة المحتجزين إلى عائلاتهم. ووجه الشكر إلى قطر وتركيا والسعودية ومصر والأردن وعدد من الدول الأخرى، لم يسمها. قائلاً: أشكر الدول العظيمة التي ساعدت بشأن غزة، وتلقيت قدراً هائلاً من الدعم. الجميع كان موحداً في الرغبة، في إنهاء الحرب، ورؤية السلام في الشرق الأوسط.

وعقب إعلان مبادرة الرئيس ترامب، أصدرت حماس، بياناً مهماً أوضحت فيه، أنه حرصاً منها على وقف العدوان وحرب الإبادة التي يتعرض لها أهلنا الصامدون، في قطاع غزة، وانطلاقاً من المسؤولية الوطنية، وحرصاً على ثوابت شعبنا وحقوقه ومصالحه العليا، فقد أجرت حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، مشاورات معمقة في مؤسساتها القيادية، ومشاورات واسعة مع القوى والفصائل الفلسطينية الأخرى، ومشاورات مع الإخوة الوسطاء والأصدقاء، للتوصل لموقف مسؤول في التعامل مع خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وبعد دراسة مستفيضة، اتخذت الحركة قرارها، وسلمت للإخوة الوسطاء ردها التالي:

«تقدر حركة المقاومة الإسلامية حماس الجهود العربية والإسلامية والدولية وجهود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الداعية إلى وقف الحرب على قطاع غزة وتبادل الأسرى ودخول المساعدات فوراً ورفض احتلال القطاع ورفض تهجير شعبنا الفلسطيني منه».

وفي إطار ذلك، وبما يحقق وقف الحرب والانسحاب الكامل من القطاع، تعلن الحركة عن موافقتها على الإفراج عن جميع أسرى الاحتلال أحياء وجثامين وفق صيغة التبادل الواردة في مقترح الرئيس ترامب مع توفير الظروف الميدانية لعملية التبادل، وفي هذا السياق تؤكد الحركة استعدادها للدخول فوراً من خلال الوسطاء في مفاوضات لمناقشة تفاصيل ذلك.

كما تجدد الحركة موافقتها على تسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية من المستقلين «تكنوقراط» بناءً على التوافق الوطني الفلسطيني، واستناداً للدعم العربي والإسلامي.

وتؤيد ما ورد في مقترح الرئيس ترامب من قضايا أخرى تتعلق بمستقبل قطاع غزة وحقوق الشعب الفلسطيني الأصيلة. إن هذا الموقف، مرتبط بموقف وطني جامع واستناداً إلى القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة، وتتم مناقشتها من خلال إطار وطني فلسطيني جامع ستكون حماس من ضمنه وستسهم فيه بكل مسؤولية».

لقد التزمت حركة حماس، بموقف أخلاقي ووطني، وأبدت حرصها على وقف حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ولم تتمسك بالسلطة، طالما أن ذلك يعوق مشروع ترامب لوقف إطلاق النار.

ورغم إعلان حكومة نتنياهو، عزمها على دراسة مقترحات ترامب، واصلت حرب الإبادة والتجويع والتعطيش، متحدية موقف الرئيس الأمريكي، وقد بلغ تعداد الشهداء في يوم إعلان المبادرة وحده أكثر من مئة ضحية. وما زالت عملية حرب الإبادة تجري على قدم وساق.

مرة أخرى، الفضل يعود فيما تم التوصل إليه إلى الصمود الأسطوري لشعب غزة، والتضامن العالمي مع شعب غزة، وأساطيل الحرية والصمود، التي شملت مشاركين، كتاباً وبرلمانيين سابقين وفنانين، جاؤوا من أكثر من أربعين دولة، وتعاملت معهم حكومة الاحتلال بقسوة وعنف. لن يكون بالإمكان إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وسيأتي وقت قريب جداً، تنتصر فيه إرادة الخير على الشر، وتعود فيه الحقوق إلى أصحابها.