آخر تحديث: 18 / 10 / 2025م - 5:43 م

كرة القدم التي أيقظتها أرامكو

أثير السادة * صحيفة الوطن

لفرط انشغالها بالتاريخ، تذهب بعض الأندية الرياضية للبحث عن تواريخ قديمة لتأكيد حضورها على خارطة الرياضة، وكأنها نياشين في زحام التسابق على الأوسمة، ومنها نادي القادسية الذي نفض أوراقه القديمة مؤخرا وراح يطالب بإعلان 1935 كتاريخ لتأسيسه في مدينة الخبر، لتصبح «خبر» الثلاثينيات هي المكان الأول لانطلاقة كرة القدم بالمنطقة الشرقية، متقدما بـ 10 سنوات على ناديي الاتفاق بالدمام والخليج بسيهات.

في مدينة لم تولد بعد في ذلك التاريخ، يصبح السؤال عن واقعية التواريخ المعلنة ضروريًا وملحًا، مدينة بحسب المدونات كانت في عام 1935 عبارة عن أكواخ من السعف لا تتجاوز 15 كوخا، قبل أن تأخذ بالاتساع مع ارتفاع أهميتها كرصيف بحري لاستجلاب معدات العمليات النفطية، وتبدأ من هناك مشارع التخطيط العمراني لاستيعاب بوادر النمو السكاني.. كانت في بدايتها متكأ للصيادين من الدواسر القادمين من البحرين، قبل أن تصبح موضعا لإقامة الوافدين إليها من السعوديين وسواهم مع موجة النفط.

لا تبدو الخبر مدينة تملك الجواب عن أصل البدايات، أي إن النظر إلى تاريخها لا يسد الفراغات في الطلب الجديد لتاريخ تأسيس نادي القادسية، فأي لقطة «زووم إن» في العام المقترح لن نرى فيها أثرًا لغبار اللاعبين في أزقة لم توجد بعد، غير أن المشي لمسافة قصيرة في هذه الذاكرة، والاقتراب من حدود شركة الزيت العربية الأمريكية، يمكن أن يهبنا الصورة المفقودة لتلك البدايات، حيث الإشارة المتكررة في أحاديث البدايات عن «الليغ»، أو الدوري الذي كان يجري ضمن حدودها، بوصفه المحرض على نشوء نويات أندية داخل المنطقة الشرقية.

السودانيون والصوماليون ومثلهم اليمنيون والإيطاليون، التحقوا مبكرًا بأعمال الشركة، موظفين ومتعاقدين، كانوا يومها مأخوذين بكرة القدم، وهذا ما جعل من هذه اللعبة حاضرة في شركة أمريكية لا تعرف هذه الرياضة كرياضة شعبية، أغرت هذه البدايات كثيرًا من السعوديين ليس للمشاركة في الدوري فقط، بل في تأسيس أندية وممارسة كرة القدم من خلالها، هذا ما تصفه ذاكرة الأندية بالمنطقة الشرقية، وشهادات روادها، حيث البداية دائمًا مع كرة القدم، ومع التنبيه للصور الأولى التي تعرفوا من خلالها على تلك الرياضة في أروقة الشركة.

هذا عينه ما يجعل من المجلة الرصينة «عالم أرامكو»، والصادرة باللغة الإنجليزية، تقف عند الصعود السريع لشعبية كرة القدم بالسعودية، والمنطقة الشرقية على وجه التحديد، وتنشر تقريرًا لها في عام 1963، تتذكر فيه بدايات كرة القدم بحواري مكة في عام 1925 بتأثير من الحجاج الإندونيسيين والماليزيين، وتمددها بمدن الشرقية مع انتهاء الحرب العالمية، بحضور العمالة الإيطالية والسودانية والصومالية، فضلًا عن الوجوه القادمة من الحجاز.. كان الركض خلف الكرة هو المتعة التي ينشدها العمال في ساعات ما بعد العمل، وهي الدرس الرياضي الأول الذي قدمه الأجانب للسعوديين داخل الشركة، فأيقظ في دواخلهم فتنة كرة القدم التي لم تبرح موقعها باعتبارها الرياضة الأولى على مستوى الوطن من ذلك الوقت.

تبدو الأربعينيات من القرن الماضي في الأخبار هي المنصة الأهم لبدايات كرة القدم على أطراف الساحل الشرقي، منسجمة مع روايات نادي الاتفاق ونادي الخليج كأول الأندية تسجيلًا في المنطقة، بتاريخ 1945، فيما الثلاثينيات محتشدة ببدايات التنقيب والبحث عن النفط، ولعل نادي القادسية اختار لنفسه موعدًا ينسجم مع هذه البدايات، أي بدايات النفط، فلا نعرف عن عام 1935 إلا بدايات التنقيب في قبة الدمام، وحفر بئر الزيت الأولى والتي تم معها إثبات وجود الزيت بالمنطقة.