وعي المجتمع.. الحصن الأول ضد المحتوى المتهافت
يُشكلُ الإعلام في أي مجتمع ركيزة أساسية لصياغة الرأي العام وتعزيز التنوع الثقافي. غير أن هذا الفضاء المفتوح قد يتحول إذا تُرك بلا تنظيم مهني، إلى أداة للتحريض أو نشر التفاهة، فضلًا عن أنه قد يصبح وسيلة لبث خطابات العنصرية والطائفية، ما يهدد كيان الدولِ بمشكلات عميقة! من هنا برزت المقاربة السعودية الأخيرة، التي عبرَ عنها وزير الإعلام سلمان الدوسري، والتي ترتكز على ”صيانة القيم والهوية المجتمعية“ وذلك من ”منطلق وطني أصيل، ومبدأ ثابت“.
هذه المقاربة تم العمل عليها قانونياً عبر ”الهيئة العامة لتنظيم الإعلام“ التي اتخذت إجراءات تنظيمية تجاه بعض المنصات الرقمية، إذ أوضح الوزير أن ”هيئة تنظيم الإعلام رصدت مخالفات جسيمة في لعبة روبلوكس“، وعليه ”ألزمت الشركة بإيقاف المحادثات الصوتية والكتابية، وحجب أكثر من 300 ألف لعبة مخالفة“. هذا المثال يعكس توجهًا واضحًا لحماية الفئات العمرية الأصغر من المحتوى الضار، خصوصًا مع تنامي جماهيرية هذه الألعاب، وتحولها لأداة تواصلية تؤثر في المتلقي وتكون جزءا من شخصيته وتفكيره.
إنّ وضع ضوابط للمحتوى الإعلامي لا يتعارض مع حرية التعبير التي يجب أن تعزز وتصان، فهي من روافد تقدم المجتمع وتطوره، وذلك من خلال النقد الموضوعي، إذا اشتغل الصحافيون على التحقيقات الاستقصائية والحوارات الحيوية، الأمر الذي يعزز البيئة العملية والرقابية في المجتمع، ويدفع بها نحو الأفضل.
في ظل السيولة المعلوماتية والأزمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والبيئات المضطربة عالميًّا بفعل الأخبار الكاذبة والتحريض الرقمي، يصبح من الضروري بناء مؤسسات قادرة على مواجهة هذه التحديات دون الانزلاق إلى الأحادية.
والتنظيمات التي تحدث عنها وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري، تسعى إلى تحقيق هذا التوازن، مقدمة تجربة آخذة في التكامل والتطور، ومركزة على وعي المواطن بالدرجة الأولى، لأن ”أفضل عقوبة لأصحاب المحتوى الهابط هي التي يقوم بها المجتمع برفض متابعتهم تماماً، وعدم إعادة نشر أو التفاعل مع محتواهم“، كما قال الوزير؛ فجماهيرية أصحاب هذا الخطاب، تنبع بالدرجة الأولى من المتفاعلين معهم والمروجين لسردياتهم المتهالكة!.