مقاطع ومقاصد
حديثًا وصلني عبر قروبات واتساب مختلفة تضم كلًّا منها خليطًا بشريًا متفاوت الأعمار والجنس والتوجهات والمدارك، ثلاثة مقاطع فيديو. وفحوى تلك المقاطع ومضمونها تتمحور حول:
1. محامية عربية تستعرض قضية رجل قضى وطرًا من امرأة ثم تنصل عن الاعتراف بابنته المتولدة عبر علاقة زواج غير موثق. ولم نعلم إن كانت المتحدثة تحدثت من أجل التشنيع برأي فقهي، أم لتحذير النساء بضرورة تسجيل العقد لأي نوع من أنواع النكاح بشكل رسمي.
2. مجموعة من الفتيات والنساء يتجولن بأحد شوارع إحدى المدن الإسلامية بشكل متبرج، مع إظهار بعض مفاتنهن بعد إعلان ما يتعلق بعدم اشتراط الحجاب في الحياة العامة. ولم نعلم هدف معد التقرير إن كان التغني بسقوط الحجاب في أحد شوارع المدن الإسلامية، أم إبراز أهمية التبرج وإظهار مفاتن المرأة في تلك البقعة من العالم.
3. رجل ستيني ملتحٍ يتقن التحدث باللغة العربية، جالس بمكتبة عامرة بكتب تحمل عناوين إسلامية مختلفة، يتهكم ويزدري ويحرّض ضد دين الإسلام وأتباعه، ويطلق مقارنات غير موضوعية في حق بعض الأنبياء، ويستدرج الشباب لكره دينهم والتفلت منه بسبب أفعال وأقوال من شوّهوا صورة الإسلام بعناوين مختلفة. ولم نعلم إن كان قصد المتحدث إسقاط الأديان جميعًا أم التهكم على كل الأديان أم انتقاد كتاب تاريخي بعينه.
إن إرسال وتدوير مقاطع الفيديو ذات الطابع الهدام دون توجيه أو تنويه أو توظيف وتعليق مناسب للقيم هو جزء من صراع الهوية. وهذا الصراع الناعم في العالم الرقمي يمر بمرحلة حملات نشطة تتمحور حول:
1. تشكيك الناس البسطاء في قدرة الله وقضائه وحكمته.
2. الطعن واللمز والغمز في أحكام الله بسبب سوء توظيفها من قبل بعض الأشرار من البشر، سواء في عقود الزواج أو الميراث أو صلة الرحم أو الحضانة أو حفظ الحقوق.
3. التهكم على الحجاب الشرعي للنساء بسبب ترهل أو تشدد بعض المسلمات في تحجبهن، والترويج لأن الحجاب انتهاك لحرية المرأة، وتدوير مقاطع فيديو لنساء بعد تحررهن من الحجاب في بعض المدن الإسلامية على أنه نصر للمرأة المتحررة.
4. انتشار المقاطع الإباحية في مواقع السوشيال ميديا بمعدل انفجاري مزعج، جعل عددًا غير معلوم من الناس مدمني العالم الرقمي.
قد تثير بعض أو كل تلك المقاطع روح البحث في عقول بعض الناس لمعرفة الأسباب وتشخيصها واقتراح المعالجات الممكنة؛ لكنها في الغالب الأعم تثير روح الشك والريبة، وتستنبت النفاق في القلوب، ومع الوقت تمكّن إبليس من تزيين الكفر بالله لدى بعض الناس، والارتداد عن الدين. ومع ضعف صناعة المحتوى النافع، وانتشار المحتوى الاحترافي لأهل المجون والفسق وأتباع الشيطان، سقطت قلوب وانكشفت أقنعة.
فنهمس في آذان الناقلين للمقاطع المروجة من قبل وكالات أنباء مشبوهة التوجه عبر مواد مرئية ماهرة واحترافية وقوية الحبكة، أنه من الجيد أن نطرح أسئلة قبل الإرسال أو إعادة تدوير تلك المقاطع المشوهة للهوية:
1. ما الهدف من إرسال ذلك المقطع لأولئك الأشخاص أو القروبات؟
2. هل إرسال المقطع يخدم توطيد الإيمان بالقيم والمبادئ وهدف القروب، أم أنه يعمل على تحطيمها وإثارة الجدال والتنافر وتمييع الإيمان؟
3. هل تصوير وتوثيق مقطع لتجربة فاشلة وتعميمها يعزز الثقة أم ينفر الناس من حكم فقهي ويضعف الإيمان؟
﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ [الصافات: الآية 24]
هذه الآية تجعل الإنسان المؤمن بيوم القيامة تحت رقابة ذاتية مستمرة وعالية الجودة فيما يشارك به، سواء بالقول أو العمل في العالم الواقعي، أو في الإرسال قبل المشاركة به مع الآخرين في العالم الرقمي.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: الآية 19]
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾ [المجادلة: الآية 20]
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [المجادلة: الآية 5]