النظافة واللباقة والمهارة والرزق
أعجبني قول أحد أهل البصائر: طلب الرزق من أقوى الأدلة على نقص الإنسان وضعفه، وبدوام الحاجة لديه للرَّزَّاق سبحانه وتعالى، وأن طالب الرزق فقير ومحتاج، وأن الله هو الغني الحميد؛ وأن طالب الرزق مخلوقٌ لا خالق، محتاجٌ لا غنيٌّ.
وأن السعي الحثيث لطلب الرزق أمرٌ مندوبٌ إليه عقلًا وشرعًا؛ وحاجة ملحّة للحفاظ على البقاء.
ورُوي عن رسول الله ﷺ قوله:
«الساعي على عياله كالمجاهد في سبيل الله».
وإن البعض من الناس سعيدٌ في استحصال رزقه، وآخرون في همٍّ وغمٍّ وتعاسةٍ كبيرة أثناء رحلة طلب الرزق اليومية. ولعلّ من أسرار سعادة الإنسان في هذه الدنيا هي سعة الرزق وسهولة الحصول عليه ووفرتُه وبركتُه وحُسن توظيفه ودوام الثناء على الله لما اكتسبه.
﴿فَاسْعَوْا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ﴾ [الملك: الآية 15]
في عالم اليوم هناك مدارس مختلفة في طرق استحصال الرزق: مدارس علمية براغماتية، ومدارس روحية عبادية.
المدارس البراغماتية العلمية تبني نموذج استحصال الرزق على أسس: فنون التسويق، وتكتيكات البيع، واستراتيجيات التمويل، وإدارة دورة المال، وحسن توظيف العوائد، والمحافظة على نسب الأرباح العالية، والتحليل الكمي والتقني للمؤشرات. وتعدّها من ضمن جوانب معادلات استحصال وتدفق الرزق؛ وهي في إطار الأسباب والمسببات المحسوسة.
أما المدرسة الروحية العبادية لطلب الرزق في نظر البعض فتبنى على أساس أنّ هناك أطرًا غيبية غير مادية، ومنها:
الإيمان بالله، والتوكّل على الله، والثقة به.
الصدقة، حتى قيل: «الاستعانة بسداد الديون بالصدقة».
الصلاة والدعاء، وقراءة الأذكار «ذكر الله بين الطلوعين»، وكثرة الاستغفار، وصلة الرحم، وبرّ الوالدين، والمداومة على قراءة سورة الواقعة، وكثرة تلاوة الآية الكريمة:
﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: الآيتان 2-3]
وهنا قد يُثار إشكال تهكّمي من قبل البعض، ومفاده: إنّ الملياردير إيلون ماسك وأمثاله لم يُسبّحوا الله ولم يستغفروه ولو مرة واحدة، وفي ذات الوقت تُقدَّر ثرواتهم بمئات المليارات!
شخصيًا لم أقف على يوميات الأثرياء العبادية، ولكن بالتحليل العقلي أرى أن أسباب استحصال الرزق تجمع بين المدرستين: البراغماتية العلمية والروحية العبادية، بل أرى ما يتخطى ذلك ليشمل أسبابًا جسدية وجمالية، منها انتقاء الألفاظ الجميلة:
• الصحة
• اللباقة
• الفطنة، وتوظيف الذكاء بكل أصنافه «عقلي/عاطفي/اجتماعي»
• النضارة وحسن المظهر
• نظافة البدن والملبس
• التعطّر
• جميل الكلام
الرزق له أنواع وأصناف وأشكال، ومن ذلك: الصحة، والعافية، والإيمان، والستر، والعفاف، والمحبة، والكرامة، والأمن، والأمان، والإدراك، والوعي، وحسن الخلق، ووفرة المال، والوجاهة، والقبول، والذرية الصالحة، والزوجة الصالحة أو الزوج الصالح، والنجاح في الحياة، والأصدقاء الأوفياء، والعلم، وحب المبادرة، وحسن العبادة، والتوفيق للحج، وبلوغ صيام شهر رمضان من كل عام، وقوة البصيرة، وحسن الجوار، وسعة الدار، وصحبة الأخيار، والنظافة الشخصية، واللباقة، وفصاحة اللسان، وزخم الصوت، وقوة الملاحظة، والعناية بالذات، وحب الناس للشخص.
قد يتحوّل طلب الرزق لبعض الناس إلى همٍّ وغمٍّ، إن:
1. كثُر حرصُ طالبه.
2. انتزع الله القناعة من قلب طالبه.
3. لم يعتنِ طالب الرزق بألفاظه وهندامه وأخلاقه.
4. تكبّر وغرور وفجور صاحب الرزق الوفير.
5. حبّ المال من أجل المال.
لم يخطر في خلدي، ولو للحظة واحدة، أن تتقادم الأيام حتى يطرق مسامعي الجملة التالية:
«إذا عندكم مناسبة للعائلة وتحتاجون لمن يساعدكم في ضيافة عرس أو ملجة أو حفلة خطوبة، فإنصح أن تجلبوا عاملات آسيويات «فلبينيات» لتقديم الضيافة والعصائر وتوزيعها في قسم النساء وترتيب القاعة!»
فقلت لقائل الجملة: وماذا عن المواطنات اللائي يعملن في صناعة الضيافة، لا سيّما؟
فردّ القائل بانسيابية: بالتجارب المتراكمة للكثير من مجالس النساء، فإن عاملات الضيافة الآسيويات هنّ الأفضل، ومع شديد الأسف بعض موظفات الضيافة المحليات — ولعدة أمور — ما يصلحن في صناعة الضيافة!
لك أن تتخيّل: بعضهن أنوفهن مرفوعة، ووجوههن مكفهرة، وملابسهن رثّة، ولا يبتسمن، وبعضهن لا يهتمن برائحة ملابسهن وأجسادهن عند تقديم الضيافة.
وعلى صعيد ضيافة الرجال، قد تلاحظ — عند التدقيق لا سيما عند ورودك مجلس عزاء أو صالة أفراح أو مجلسًا ما — أن بعض المكاتب الأهلية للضيافة تستعين بموظفين مواطنين لا يهتمون بنظافتهم الشخصية ولا بهندامهم.
حتماً نفسك تَشمئز حينذاك أن تأخذ طعامًا أو قدح قهوة من يدٍ متّسخة ووجهٍ عبوسٍ وإنسانٍ فظّ.
عدد الأجانب الآسيويين العاملين في مجال خدمات الضيافة في تصاعدٍ ملحوظ. بل إن تسعيرة الخدمة المقدَّمة من شركات الضيافة للأعراس للعاملات الآسيويات «الفلبين» تعادل، وأحيانًا تتجاوز، ضعف رسوم الخدمة للعاملة العربية لذات الخدمة في الأفراح والأتراح.
وعليه، أنادي أصحاب مشاريع الضيافة الذين يستعينون بالموظفات والموظفين المحليين بضرورة الاهتمام بالتدريب والتطوير في العناية بالزبائن، والالتزام بالنظافة البدنية، وارتداء الملابس النظيفة، وعدم التأفف من خدمة الآخرين، وتجنّب أي مظهر أو سلوك ينمّ عن الملل من خدمة الناس.
﴿وَسَخَّرَ بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ﴾ [الزخرف: الآية 32]
نعلم بأن تفاوت الأجور عاملٌ فاصل في تدفّق السيولة بين أيدي الناس، لا سيما مع عولمة الأسواق وانفتاح الاستثمار.
وعليه، كلما تميّز الإنسان المواطن في أدائه ومهاراته، زادت جاذبيته في سوق العمل المحلي والإقليمي.
ولذا نسمع عن طبيب أسنان يُشدّ إليه الرحال من دولٍ مجاورة، ونسمع عن كوافيرة محلية تُنتدب لأعمال كوافير في دول أخرى، ونسمع عن طباخٍ مميّزٍ ونظيفٍ يُستقطب للإشراف على ولائم كبيرة بمناسبات خاصة في مناطق متفرقة.
قد يكون هناك مقترحٌ قديمٌ تم طرحه على الجمعيات الخيرية لتتبنّى مشاريع تدريب العاملات والعاملين في مجال ضيافة المجالس والأفراح والأتراح، لخلق اكتفاءٍ ذاتيٍّ محلي في هذا القطاع.
وعليه، نقترح إلزام العاملين في هذا القطاع «الضيافة» بالاهتمام بالتالي:
1. الالتزام بالنظافة الشخصية.
2. ارتداء ملابس أنيقةٍ ونظيفةٍ أثناء أداء الخدمة.
3. تبنّي مشاريع الإعداد النفسي للعمل في مجال صناعة الضيافة.