ولا يهون النفط (10): الصناعات الثقافية والإبداعية - الغائبة والحاضرة!
لفت انتباهي تأسيس صندوق الاستثمارات العامة شركةً اسمها ”قَصَص“ (الشركة الوطنية للترفيه التفاعلي) قبل نحو عام، تهدف - حسب الموقع الرسمي للشركة (qsas.sa) - إلى صياغة ”تجارب غامرة لا تُنسى“ لإحياء القصص الثقافية، مع التركيز على الابتكار في السرد التفاعلي. وتحديدًا، لتطوير تجارب سردية مستوحاة من التراث والثقافة والتاريخ السعودي، مع التركيز على إنشاءِ وامتلاكِ وتشغيلِ معارضَ تفاعليةٍ عالميةِ المستوى في أنحاء السعودية.
وواضح أن هذه المبادرة تأتي في سياق تحقيق رؤية 2030 ثقافيًّا واقتصاديًّا، إذ من المؤمَّل أن تُثري المشهد الثقافي بتكوين سردية تفاعلية وإبداعية تتسق مع التراث والثقافة، معززةً بالتقنية الحديثة وعالية الجودة، جديرةً باستقطاب الجمهور المحلي والدولي، بما يساهم في تنويع الاقتصاد السعودي، وتعزيز المحتوى، والإنتاج الثقافي، والترفيهي.
السؤال: هل يكفي تأسيس هذه الشركة لتحقيق مستهدفات الرؤية؟ ولعل الصياغة الأفضل للسؤال: هل هناك مبادرات أخرى تُعزّز جهود هذه الشركة لتحقيق المستهدفات، ولا سيما ذات صلة بالقطاع الخاص المحلي والعالمي؟
ما يبرر طرح السؤال هو أننا أمام قطاع من القطاعات الاقتصادية الغائبة عن دوحة الاقتصاد السعودي، وهو قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية، الذي كان غائبًا وهو حاليًّا ينمو بفعل تنفيذ مبادرات الرؤية ذات الصلة، لكنه لم يبرح قطاعًا ضامرًا في مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، التي تُقدَّر حاليًّا دون 1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن مساهمةَ هذا القطاعِ في الناتجِ المحليِّ العالميِّ تُقدَّر - وفق تقارير منظمة اليونسكو - بقرابة 3.39 بالمائة، وتولِّد 3.55 بالمائة من الوظائف عالميًّا، وتدر إيرادات تُقدَّر بحوالي تريليوني دولارٍ أمريكيٍّ.
ليس هذا فقط، بل إن هناك دراساتٍ تتوقع أن تتنامى مساهمة هذا القطاع لتصل إلى 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، نعم 10 بالمائة وفقًا لتقديرات معهد بروكنغز (Brookings)!
حاليًّا، ثمة فجوة كبيرة تتجاوز 2.4 بالمائة بين متوسط مساهمة قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية في الناتج المحلي الإجمالي عالميًّا ومساهمته في الاقتصاد السعودي (أقل من 1 بالمائة). وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تُبذل من قبل الجهات المعنية، وفي مقدمتها وزارة الثقافة، إلا أنه يبدو أن الفجوة قد تتسع مستقبلاً، إذ إنَّ المستهدف لمساهمة هذا القطاع بحلول عام 2030 هو 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يُولِّد 30 ألف وظيفة، وأن يُولِّد إيرادات قدرها 180 مليار دولار.
ودون شك فهذه مستهدفات طموحة، لكن اقتصاديات هذا القطاع في اتساع عالميًّا نتيجةً للتحول الرقمي الهائل بما يُعَدِّدُ الخياراتَ وسبل المنتجات الثقافية والإبداعية للمستفيد، ما يعني السعي الحثيث لسد الفجوة بما يجعل قطاع الثقافة والإبداع في المقدمة ومنافسًا إقليميًّا وعالميًّا، ارتكازًا إلى الإرث الثقافي والحضاري الذي تختزنه المملكة، والتحول الرقمي الكبير الذي تحقق منذ انطلاق الرؤية حتى الآن، بما يعزّز توليد قيمة مضافة أكبر من المنتجات الرئيسة لهذا القطاع، والتي من ضمنها البرمجيات، والترفيه الرقمي، والفنون الأدائية، والموسيقى، والأفلام، والتصوير، والتصميم، والحِرَف، ما يتطلب إسهاماتٍ أكثر حماسًا من القطاع الخاص للاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة حاليًّا والتي تتولد مستقبلاً.