آخر تحديث: 18 / 10 / 2025م - 8:33 م

من التحدي إلى الإصلاح: رؤية جديدة للتعليم العراقي

المقدمة

يُعتبر التعليم أحد الأعمدة الأساسية للتنمية المستدامة وبناء المجتمعات، حيث يشكّل دورًا محوريًا وحيويًا في تشكيل الوعي الثقافي عند الفرد والمجتمع، وتعزيز القيم الاجتماعية، وتهيئة الأفراد لمواجهة تحديات العالم المعاصر. إلا أن النظام التعليمي في العراق يواجه عددًا من التحديات البنيوية والوظيفية التي تؤثر سلبًا على فعاليته وكفاءته، وتعود جذور هذه التحديات إلى عقودٍ من الصراعات السياسية والاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى تدهور وتآكل البنية التحتية التعليمية وضعف الموارد التمويلية. وفي الوقت الذي تسعى فيه العديد من الدول إلى تطوير نظم تعليمية حديثة تتماشى مع متطلبات العصر وسوق العمل، لا يزال العراق يعاني من مشاكل عميقة في ذلك، مثل ضعف البنية التحتية للمدارس، والاعتماد على مناهج تقليدية تركز على الحفظ دون تطوير مهارات التفكير النقدي، ونقص برامج التدريب المهني للمعلمين وفق طرائق التدريس الحديثة، بالإضافة إلى عدم الربط الفعّال بين التعليم وسوق العمل. ومعلومٌ أنّ معالجة هذه القضايا تتطلب خطة استراتيجية شاملة تتضمن تطوير البنية التحتية، وتحديث المناهج، وتدريب الكوادر التعليمية، فضلًا عن ربط التعليم باحتياجات المجتمع والاقتصاد، وبالتالي فإن تحسين نظام التعليم في العراق ليس مجرد مطلب أكاديمي وإنما هو ضرورة حيوية تسعى لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

الواقع التعليمي في العراق: التحديات

ضعف البنية التحتية

يتجلّى ضعف البنية التحتية التعليمية في تردّي حالة العديد من المدارس التي ما زالت تعاني من تقادم عمرها الإنشائي، وبعضها مبنيٌّ من الطين أو الكرفانات المؤقتة، مما يجعلها غير صالحة للاستخدام الآمن، فضلًا عن نقصٍ في القاعات الدراسية التي تُجبرُها على العمل بنظام الدوام الثلاثي. ولو توسّعنا أكثرَ في الحديثِ لوجدنا الكثير منها يعاني من قلّة توفّر المياه الصالحة للشرب، وغياب دورات مياهٍ صحيةٍ، أو تكون غير كافية، كما يوجد نقصٌ في المختبرات والمكتبات والملاعب.

ووفقًا لتقرير وزارة التربية العراقية (2024) فإن ما يقارب 30% من المدارس بحاجةٍ ماسّةٍ إلى إعادة تأهيل، مما يؤثر سلبًا على بيئة التعلم ويعيق قدرة المعلمين على تقديم تعليمٍ فعّال.

المناهج التعليمية التقليدية

تمثل المناهج أداةً هامة لتحقيق التعليم الجيد، بل هي الركيزة الأساسية التي تنمّي وتطوّر البنية المعرفية عند الطلاب. والملاحظ في العديد من المناهج التعليمية في العراق إنها ما زالت محتفظة بأساليب تقليدية تركز على الحفظ والمعلومات المجردة. وقد أظهر استطلاع قامت به مؤسسة (التعليم للجميع) في (2024) أن أكثر من 60% من المعلمين يرون أن المناهج لا تلبي احتياجات الطلاب المعاصرة، مما يتطلب إعادة النظر فيها من الجهات المختصة وجعلها تهدف إلى تعزيز مهارات التفكير النقدي والإبداعي.

نقص التدريب المهني للمعلمين

إنَّ ضعفَ الميزانيات المخصصة للتدريب، والروتين الإداري المعمول به في القطاعات التربوية، فضلًا عن انشغال المعلم بالدوام اليومي الكثيف، من أهمِّ أسباب اتساع الفجوة بين المناهج التدريسية ومتطلبات التعليم التربوي، الأمر الذي أدى إلى تراجع جودة التعليم، حيث يشكو العديد من المعلمين من عدم تلقيهم دورات تدريب مستمرة لمواكبة الأساليب الحديثة في التعليم. ووفقًا لتقرير صادر عن نقابة المعلمين العراقية (2024) فإن 75% من المعلمين لم يتلقّوا أي تدريب منذ تخرجهم، مما يؤثر على فعالية طرقهم التدريسية.

عدم ربط التعليم بسوق العمل

أحد أبرز الإشكاليات التي تُعاني منها منظومة التعليم في العراق هي تخرّج آلاف الطلبة من الجامعات والمعاهد سنوِيًّا دون امتلاك المهارات اللازمة التي يتطلبها سوق العمل الحديث، وهو مؤشر يؤدي إلى ارتفاع نسب البطالة وتراجع القيمة العملية للشهادات الأكاديمية. ومن الأسباب التي تكمن خلف هذا الأمر ضعف التنسيق بين وزارات التعليم والعمل والتخطيط، وغياب الإرشاد والتدريب المهني في المدارس والجامعات، فضلًا عن ضعف القطاعِ الخاصِّ، وغيرها من الأسباب التي أدّت إلى عدم توافق التعليم مع احتياجات سوق العمل، وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة. ووفقًا لدراسةٍ أجراها صندوق النقد الدولي (2024) فإن 40% من خريجي الجامعات لا يستطيعون العثور على وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم.

رؤية إصلاحية شاملة

للنهوض بالتعليم العراقي، يجب اعتماد مجموعةٍ من الحلول المتكاملة والمشتركة بين الوزارات والقطاعات ذات العلاقة، والتي منها:

• تطوير البنية التحتية: يتطلب ذلك بناء مدارس جديدة بشكل حديث، وترميم القائمة منها، وتوفير مختبرات ومكتبات مجهزة بالتقنيات الحديثة لتعزيز تجربة التعلم (التربية العراقية، 2024).

• تحديث المناهج الدراسية: يجب إعادة تصميم المناهج الدراسية لتشمل تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي والسلوكيات الرقمية المطلوبة في العالم الحديث.

• تعزيز قدرات المعلمين: تقديم برامج تدريب مستمرة للمعلمين تشمل أساليب التدريس الحديثة والتعليم الرقمي، وإدخال العناصر التفاعلية في عملية التعليم.

• ربط التعليم بسوق العمل: ينبغي تعديل المناهج لتشمل المهارات العملية، وتطوير شراكاتٍ فعّالة بين الجامعات، والوزارات، والقطاعِ الخاصِّ لتعزيز استخدام المهارات العملية.

الخاتمة

إن الإصلاح التعليمي في العراق يمثل خطوةً حاسمة نحو تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي من خلال معالجة الصعوبات الحالية بالشكل المناسب ويكونُ تدريجيًّا، حيث يمكن أن يتحوّل التعليم من مصدرٍ لتوليد المعرفة إلى أداةٍ فاعلةٍ في بناء الهوية الوطنية، وتمكين الأفراد من تحقيق إمكاناتهم بالكامل. وهذا الإصلاح يتطلب تعاونًا متكاملًا بين الحكومة والمؤسسات التعليمية وكذلك المجتمع المدني، مع رؤيةٍ استراتيجيةٍ طويلة المدى. إن نجاح هذه المبادرات يعتمد بشكل كبير على مشاركة جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الأسر والطلاب، لضمان أن يتناسب التعليم مع تطلعاتهم واحتياجاتهم.

وخِتامًا، إنّ تطبيق هذه الرؤية الطموحة سيؤدي أكيدًا إلى تحسين جودة التعليم، وتمكين الشباب العراقي من مواجهة تحديات المستقبل بثقةٍ وكفاءةٍ، وإعادة بناء مستقبلٍ أفضل للعراق، حيث يصبح التعليم محركًا للتنمية والتقدم.

المراجع
• التربية العراقية (2024): تقرير حول واقع التعليم في العراق.
• مؤسسة التعليم للجميع (2024): دراسة حول المناهج التعليمية العراقية.
• صندوق النقد الدولي (2024): تقرير حول البطالة بين الخريجين في العراق.
• نقابة المعلمين العراقية (2024): تقرير حول تدريب المعلمين في العراق.
أستاذ في كلية الإمام الكاظم عليه السلام بالعراق