آخر تحديث: 19 / 10 / 2025م - 2:05 ص

نحو مجتمع متماسك: ملفات مفتوحة على طاولة المجتمع

أحمد منصور الخرمدي *

حين تتفق الآراء وتلتقي المقترحات التي تهدف إلى خدمة مجتمعنا وتعزيز مكانته، وحين نزكي حواراتنا بالأفكار الخلاقة والكلام الطيب الذي يصب في مصلحة المجتمع والوطن في آن واحد، تكتسب تلك النقاشات قيمة مضافة. واليوم، لم تعد هذه القضايا مجرد أمنيات، بل تحولت إلى ملفات مفتوحة تتطلب قرارات وحلولاً، خاصة عندما تستند إلى شواهد تمس حياة أفراد نعيش بينهم ونستشعر همومهم. إن طرح هذه المواضيع ليس بهدف الانتقاص من أحد، بل هو تحليل للدوافع وبحث في سبل العلاج بما يعود بالنفع على المصلحة العامة.

الملف الأول: تشخيص الواقع.. الطلاق والعزوف عن الزواج

يبدأ هذا الملف من قضية مقلقة، وهي كثرة الطلاق في السنوات الأخيرة، والتي وإن لم تصل بحمد الله إلى مستوى الظاهرة، إلا أنها تحمل في طياتها خطر التفكك الأسري والاجتماعي. يضاف إلى ذلك ملف لا يقل أهمية، وهو عزوف الأرامل والمنفصلات عن الزواج مرة أخرى، أو حتى الامتناع العام عن الارتباط من قبل الشباب والشابات دون سبب ظاهر أو مقنع. هذه ليست مجرد قرارات فردية، بل مؤشرات اجتماعية تستدعي التوقف والتحليل.

الملف الثاني: قضية الأرامل.. بين حرية القرار ونظرة المجتمع

يتعلق هذا الملف بواقع المرأة الأرملة. فمن المتعارف عليه اجتماعياً أن البعض قد ينظر إليها كضحية للظروف، ويفترض أنها غير قادرة على الزواج أو لا ترغب فيه. ولكن في الحقيقة، لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار وجود أسباب عديدة قد تمنعها من خوض تجربة جديدة. ومن المهم أن ندرك أن كل حالة هي فريدة بظروفها، وأن للأرملة كامل الحرية في اتخاذ القرارات التي تخص حياتها، دون أن تتعرض لضغوط أو توصيات من الآخرين.

الملف الثالث: المطلقات والشباب.. انعكاس لواقع متشابك

هذا الملف يتناول واقع المطلقات والعازفين عن الزواج، وهي قضايا ليست مجرد ظواهر فردية عابرة، بل هي انعكاس لواقع اجتماعي واقتصادي وثقافي متشابك. فالمطلقة تصطدم بأحكام مسبقة وتجارب سابقة قد تعيقها عن المضي قدمًا. في المقابل، يقف الشباب والشابات على أعتاب الزواج مترددين؛ إما بسبب الضغوط الاقتصادية، أو الخوف من الفشل، أو تغير أولوياتهم، أو حتى بسبب تأثير سلبي من أصدقاء وصديقات يفقدهم القدرة على اتخاذ قرار حاسم.

الملف الرابع: خارطة الطريق.. نحو ثقافة مجتمعية واعية

لعل الحل، وهو الأهم، يكمن في إعادة بناء الثقافة المجتمعية على أسس من الوعي والرحمة والتيسير، مع التأكيد على ضرورة التوافق بين الطرفين قبل الزواج، ف ”التوافق يولد النجاح“. ويشمل ذلك التوعية بأهمية الزواج كقيمة إنسانية وشراكة متوازنة، والتيسير في المهور والتكاليف، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأرامل والمطلقات. كما أن فتح قنوات الحوار بين الأجيال، وتشجيع النقاشات الهادفة، يساهم في وضع حلول عملية ويعزز روح المسؤولية المشتركة.

الملف الخامس: نماذج مضيئة.. قصص التضحية والوفاء

إننا نؤكد أن في مجتمعنا نماذج مشرفة؛ فمجتمعنا وفيٌّ تربط أفراده علاقات حميمة. فهناك أمهات عفيفات فقدن أزواجهن في عمر مبكر، فكابدن مشاق الحياة وضحين من أجل تربية أطفالهن، ولم يتزوجن رغم صعوبة العيش آنذاك، بل صبرن واحتسبن. وكذلك، هناك رجال أوفياء لم يقترنوا بأخرى بعد وفاة شريكة حياتهم، فقاموا برعاية فلذات أكبادهم خير قيام وأوصلوهم إلى مراتب عليا. ولا ننسى الفتيات اللاتي ضحين بشبابهن من أجل رعاية آبائهن المسنين أو إخوتهن الصغار. وقد بذلن في سبيل ذلك كل غالٍ ونفيس، ولنا في قصة المعلمة التي وردت في مقال ”لماذا لم تتزوجي؟“ خير مثال.

https://jehat.net/97669

هؤلاء جميعًا يستحقون منا كل التقدير والاحترام، فهم يذكروننا بقيمة الأسرة والتفاني.

الملف السادس: المسؤولية المشتركة.. وضع الأصابع على الجروح

تكشف لنا الاستبيانات والآراء المجتمعية أن هذه القضايا ليست وليدة اليوم، لكنها تتفاقم مع تغيرات العصر. ومن الإنصاف القول إن المسؤولية مشتركة، فلا يلام الرجل وحده ولا المرأة وحدها. فجيل اليوم، بكلا طرفيه، قد يفتقر إلى الصبر والتحمل الذي كان يميز الأمس، مما يجعل الثقافة الزوجية ناقصة أو معدومة رغم انتشار الدورات التثقيفية. كما أن سماع النساء لقلة النماذج الناجحة للتعدد، وما قد يتبعه من إهمال أو بخل أو تسلط، يجعلهن يُعرضن عن فكرة الزواج مجددًا، مما يستدعي تثقيف الرجال حول هذه السلوكيات الخاطئة.

الملف السابع: دور المجتمع.. بين الدعم البنّاء والتدخل الهدّام

إننا نهيب بمجتمعنا المؤمن أن يكون أكثر تماسكًا، وألا يسمح لأي شرخ بأن يفكك قوته. يجب الحذر من ضعفاء النفوس الذين يصطادون في الماء العكر عند أي خلاف أسري بسيط، كأولئك الذين يحرضون الزوجة على زوجها لمآرب خبيثة تنتهي بالطلاق وتشريد الأطفال. إننا نناشد الجميع ألا يتدخلوا فيما لا يعنيهم بغير علم شرعي أو بصيرة، وأن يتركوا الأمر بعد الله لذوي الخبرة والاختصاص على المستويات الأسرية والاجتماعية والنفسية.

الملف الثامن: الواجب الإنساني.. الدعم المادي والوظيفي

لا يفوتنا أن نناشد أهل الخير في مجتمعنا لمد يد العون للمحتاجين من الأرامل والمطلقات، أو من لم يحالفهن الحظ في الزواج، وخاصة من يعلن أطفالاً ولديهن التزامات معيشية ولا يملكن دخلاً كافياً. إن تقديم الدعم عبر القنوات الرسمية واجب إنساني. كما نناشد أصحاب الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال أن يوفروا لهؤلاء النساء فرص عمل شريفة لكسب الرزق بالحلال، فهذا من الأعمال الخيرية التي تخدم الوطن والصالح العام.

ختامًا، نتقدم بجزيل الشكر والتقدير لكل من ساهم برأي أو تصويب في إعداد هذه المادة الاجتماعية والإنسانية، التي نأمل أن تسهم في معالجة مشكلة قائمة. ونتطلع إلى أن تكون أي مداخلة أو تعقيب من القراء الكرام موضوعيًا ومثريًا، وأن يضيف تحليلاً مفيدًا لصالح المجتمع والإنسانية والوطن بشكل عام.