آخر تحديث: 18 / 10 / 2025م - 8:33 م

من التعليم إلى التمكين

عاطف بن علي الأسود *

في ظل التحولات الكبيرة التي تشهدها المملكة نحو رؤية 2030، بات من الضروري أن نُعيد تعريف العلاقة بين المواطن وسوق العمل، ليس فقط من خلال توفير الفرص، بل عبر بناء عقلية إنتاجية واعية، تؤمن بأن النجاح المهني لا يأتي بالشهادة وحدها، بل بالتأهيل، والتطوير المستمر، والانخراط في بيئة تدفع نحو الإبداع والإنجاز.

لقد أنفقت الدولة مليارات الريالات على التعليم والتأهيل والابتعاث، في استثمار واضح في الإنسان السعودي باعتباره الثروة الأولى. لكن الواقع يُظهر أن هذه الثروة لا تُستثمر بكامل طاقتها، لا لضعف في الكفاءات، بل لغياب منظومة تطوير فعّالة تربط بين العلم والعمل، وبين الشهادة والإنتاج.

النجاح الحقيقي يبدأ عندما نُدرك أن كل مواطن يمكن أن يكون مشروعًا منتجًا متكاملًا، إذا ما أُعطي الأدوات الصحيحة. وهذا ما يجعلنا بحاجة ماسة اليوم إلى مراكز تطوير وطنية، تنشئها وزارة الموارد البشرية بالتعاون مع القطاعين العام والخاص، لا بهدف التوظيف فقط، بل بهدف إعادة بناء ثقافة العمل نفسها.

هذه المراكز لا يجب أن تكون مجرد قاعات تدريب، بل مختبرات واقعية لصقل المهارات، وتعزيز الإنتاجية، واكتشاف القدرات الكامنة، وربطها باحتياجات السوق الحقيقية. فالكثير من الخريجين يملكون المعرفة، لكنهم يفتقرون إلى المهارة، أو لا يجدون البيئة التي تساعدهم على تحويل أفكارهم إلى قيمة مضافة.

نحن بحاجة إلى مضاعفة الجهد في التوعية بثقافة العمل، لا من باب المسؤولية الوطنية فقط، بل كخيار استراتيجي لبناء اقتصاد مستدام. المواطن السعودي اليوم أمامه الفرصة ليكون شريكًا في التنمية، لا متلقيًا لها. وهذه الشراكة لا تتحقق إلا حينما يشعر أن ما يمتلكه من علم ومعرفة يمكن أن يتحول إلى مشروع حياة، لا إلى مجرد سيرة ذاتية تبحث عن وظيفة.

إن تمكين المواطن يبدأ من فهم احتياجاته، وتوجيهه نحو التخصصات المستقبلية، وتوفير الدعم الفني والنفسي والمهني له. وهنا يأتي دور وزارة الموارد البشرية ليس فقط كمشرّع ومنظّم، بل كقائد للتغيير، يُعيد رسم خارطة العلاقة بين التعليم وسوق العمل، ويخلق مسارات واضحة تجعل من كل خريج جزءًا من الحل، لا من المشكلة.

ختامًا، إن بناء وطن قوي لا يكون بالمشاريع فقط، بل ببناء الإنسان الذي يُديرها، ويبتكر فيها، ويضيف لها. والمواطن المنتج لا يُولد جاهزًا، بل يُصنع عبر التمكين، والتوجيه، وتوفير البيئة التي تؤمن به وتُحسن استثماره.

فلنمنح أبناءنا الفرصة ليكونوا في المكان الذي يستحقونه، ولنصنع من كل خريج قصة نجاح وطنية، تروي للعالم كيف تبني المملكة مستقبلها… بإنسانها أولًا.

دراسات عليا اقتصاد صحي