آخر تحديث: 19 / 10 / 2025م - 2:05 ص

متى تكون التغذية الراجعة دون جدوى؟

أمين محمد الصفار *

مصطلح «التغذية الراجعة» هو ترجمة لمصطلح Feedback, وهو مصطلح إداري له ترجمات عديدة، ويُقصد منه طلب الرأي أو التقييم الشخصي تجاه خدمة أو سلعة معينة.

تبذل المنظمات جهودًا كبيرة لتوفير الأدوات المناسبة للاستفادة من «التغذية الراجعة»، وذلك عبر إدماج هذه الخاصية ضمن عملية بناء الأنظمة التقنية والإدارية، وربط نتائجها بأساليب التطوير التي تتبعها كل منظمة.

في المجتمع الوظيفي، يستخدم بعض المدراء هذه الأداة ليس لتقييم المنتج أو الخدمة، بل من أهم معايير تقييم مرؤوسيهم، فكلما حرص الموظف على تقديم تقييمه الشخصي الدقيق للمهمة التي يقوم بها، ساعد المدير على تقييم رأيه ووجهة نظره بناءً على درجة الحرص ودقة التشخيص. وهنا أهمس في أذن الموظف، سيّما الجديد، للاستفادة من هذه الأداة في رفع مستوى تميزه بين زملائه وخدمة المنظمة التي يعمل بها.

أجد هذه التوطئة مهمة للحديث عن نمط أصبح غير عملي، بل يشكّل عبئًا على المنظمات وكذلك العملاء أو المستفيدين من الخدمة، لكنه بالرغم من ذلك آخذ في الانتشار، وهو تعبئة الاستبيان عن الخدمة باعتباره إحدى وسائل التغذية الراجعة التي ما زالت بعض المنظمات تعتمد عليها بشكل يكاد يكون أحاديًّا، سواء أكان هذا الاستخدام ورقيًا أو إلكترونيًا أو صوتيًا. فكلها أساليب أصبحت تقليدية عفا عليها الزمن، ولم تعد تحقق الأهداف المرجوة منها، مقابل الأساليب العملية الحديثة.

إن عملية تصميم الاستبيان هي عملية فنية ليست سهلة، بل تحتاج إلى خبرة ودراية لتجنب الكثير من الأخطاء، مثل: عدم ربط السؤال بالهدف، والتأكد من دقة الإجابة، وطول مدة تعبئة الاستبيان، وسهولة فهمه وتعبئته، وغيرها. لنخلص إلى أن هذا النوع من الاستبيانات «الاستبانات» أصبح في الغالب عملية ”نسخ ولصق“ عمياء، خالية من الدراسة العملية أو التقييم الحقيقي للاستفادة منها.

قبل مدة، اقترحت على إحدى الشركات الخدمية اقتطاع جزء من ميزانية الإعلانات للمشاركة بركن خاص بها في الفعاليات الأهلية التي تُقام في المحافظة، ليكون منصة مباشرة لأخذ آراء الناس، وفي الوقت نفسه توجيه الرسائل التي تود الشركة مشاركتها مع الآخرين. إن النزول المباشر إلى الأماكن التي يتواجد فيها الناس هو أسلوب عملي يحقق نتائج سريعة ودقيقة، وفي الدرجة الأولى معرفة آراء المستفيدين من خلال حديثهم ولغة الجسد التي لا يمكن تخطيها، وهذا ما لا يمكن تحقيقه بالشكل المطلوب عبر أسلوب قديم لم يعد ذا فاعلية مناسبة.

لقد عبّرت أكثر من مرة عن إعجابي بأسلوب التقييم المنتشر لتقييم تجربة استخدام دورات المياه، حيث تلعب دورات المياه دورًا مهمًا في أي مكان تتواجد فيه، وأسلوب التقييم بكل بساطة هو الضغط — عند الخروج من دورة المياه — على زر واحد فقط من بين أربعة أو خمسة أزرار تُبيّن درجة الرضا عن هذه التجربة. سر نجاح هذا الأسلوب هو السهولة والبساطة والسرعة.

لتحقيق أفضل المدخلات لعملية التغذية الراجعة، تحتاج المنظمات الخدمية خصوصًا إلى أمرين: الأول بذل الجهد لاختيار الأسلوب العملي المناسب للتغذية الراجعة، والأمر الثاني أن تكون عملية التغذية الراجعة — سواء من خلال الاستبيان أو غيره — هي آخر مرحلة من مراحل تقييم الخدمة، حيث تحتاج المنظمة اتباع معايير الجودة في تحسين الخدمة بالشكل الذي يجعلها جاهزة لأخذ رأي المستفيد، وليس البداية الأولى لمعرفة مستوى الخدمة.

تُخطئ بعض المنظمات عندما تعمد لاستخدام الاستبيان كوسيلة شكلية للإيفاء بمتطلبات معينة، أو لكي لا يُقال عنها إنها لا تقوم به. كما تُخطئ عندما تصلها التغذية الراجعة بطرق مختلفة لكنها لا تلتفت إليها مهما تعددت وتنوّعت طرقُ التغذية الراجعة. مثل هذه الأخطاء هي أفضل وسيلة لمجازفة بسمعة المنظمة ومستوى الثقة بها.