دورة البيتكوين: مرة أخرى
الأسواق المالية دائمًا في صراع بين قطبين: ارتفاع متفائل أو هبوط متشائم، يهيمن أحدهما على الآخر في نهاية المطاف، ليتركوا خلفهم جميعًا تاريخ ذلك الصراع، والذي يُسجل قرارات وقوة وضعف كل قطب تجاه ما مرّ به من أحداث سياسية واقتصادية، ليرسم لنا حدودًا وملامح تساعد في التنبؤ بما سيحصل عندما تمر السلعة بأحداث مشابهة مستقبلاً.
نُسلّط الضوء هنا ليس على التقنية المبنيّة عليها البيتكوين التي لم تتغير، ولا على حجم الشبكة المتوسع، بل على سعر البيتكوين في الأسواق، الذي يستمر بالتغير بحسب العرض والطلب، مُشَكِّلًا دورات سعرية متعاقبة تستمر كل دورة قرابة أربع سنوات. وحركة تلك الدورات مدفوعة بتأثير تنصيف مكافأة البيتكوين للمعدّنين، وسلوك المعدّنين والمتداولين تجاه تنصيف المكافأة: «كل أربع سنوات يتم إنقاص 50% مما يحصل عليه المعدّنون كمكافأة لما يقدّمونه من قدرة حاسوبية لشبكة البيتكوين».
ولكن في هذه الدورة، كان للمتداولين المتفائلين رأي آخر؛ كانوا يتوقعون صعودًا لا يليه انخفاض حاد، بخلاف الدورات السابقة، وذلك لزيادة نسبة التبني، والتقنين الحكومي، واستثمار مديري الأصول وشركات في البيتكوين. ولكن دورة البيتكوين عادت لتُهيمن على اتجاه السعر العام، «كما يظهر من التحليل الفني»، لتُعلن بداية مرحلة التشاؤم في اتجاه السوق.
تُختتم دورة البيتكوين بالموجة الصاعدة التي تستمر قرابة ثلاث سنوات. وفي هذه الدورة، أنهى البيتكوين أقصى تداولاته عند سعر 126,199 دولارًا، تبعه تراجع عنيف ثم استقرار عند تراجع بنسبة -12% من أعلى قيمة. وبذلك يتهيأ لسنة من التراجعات، والعودة لمتوسطات أسعاره، بتراجع يزيد على 50%، ليشكّل حينها قيعان ما بعد الموجة الصاعدة، قيعانًا جديدة لبداية دورة جديدة أخرى.
عن قريب، وعندما يستمر البيتكوين بالتراجعات الحادة، سيكثر الكلام والعناوين والأخبار عن موت البيتكوين، وفقاعة البيتكوين، وانهيار البيتكوين… يلي ذلك فترة انعدام ذكر البيتكوين، التي تتشكّل فيها القيعان لبداية جديدة، وفرص جديدة، بمخاطر وتحديات جديدة، ومتداولين جدد، لتشكّل جميعًا بداية للدورة القادمة وسط تحديات اقتصادية أخرى.
وأخيرًا، الاستثمار والتداول والتحليل الفني قائم على الاحتمالات، وليس الحتميات. احتمالات يُبنى عليها مما يُمليه تاريخ الأصل المتداول من مؤثرات سلبية تُخفض السعر، أو إيجابية داعمة للسعر.