آخر تحديث: 18 / 10 / 2025م - 8:33 م

الأسرة السعودية

ياسين آل خليل

لا أحد يمكنه أن يضعنا في دائرة اللوم إن أردنا لأبنائنا الخير، ولأهلنا سعة العيش، وأن تكون بيوتنا عامرة بكل ما نحتاجه ومملوءة بالعافية والفرح، لكننا في ركضنا ولهثنا هذا نحو صورة مكتملة من الرفاه، غفلنا عن جوهر بسيط، عميق، ومهم، أن الطمأنينة لا تكمن في كثرة الأشياء، بل في بساطة الروح، واتساع القلب، وهدوء التفاصيل.

الاستهلاك المفرط ليس عادة سلوكية سيئة وحسب، بل هو صوتٌ خفي يملأ عقولنا دون وعي، يهمس لنا أن ما لدينا لا يكفي، وأن سعادتنا رهن بالمزيد. ومع مرور الوقت، تتكدّس الأشياء، والنتيجة الحتمية انحسار سلامنا الداخلي ومضيعة أموالنا التي كان بالإمكان استثمارها في أشياء أخرى هي أكثر أهمية.

البيوت لم تعد مكانًا للراحة، بل ساحات مزدحمة بالمقتنيات. على كبر مساحتها، لقد ضاقت بيوتنا بما لا نحتاج، حتى صار الترتيب عبئًا، والتخزين همًا، والديون ثقلاً يطاردنا حتى ونحن على فراشنا.

في عمق هذه الأزمة، تبرز الأسرة السعودية كحلقة مركزية، ليست فقط لتغيير العادات، بل لصياغة وعي جديد يعيد تعريف الرخاء والاحتياج، بما يتماشى مع تطلعات رؤية المملكة 2030. رؤية تدعو إلى أسرٍ ديناميكية، ذكية في قراراتها، قوية في إدارتها للموارد، واعية بأثرها في تنمية الوطن لا من خلال الإنفاق وحده، بل من خلال التوازن والبصيرة والاختيار السليم.

لقد أصبحنا نشتري أكثر مما نحتاج، ونحتفظ بأكثر مما نستخدم. لكن، هل جرّبنا أن نسأل أنفسنا، ما الذي نريده حقًا..؟ بيتٌ أنيق من الخارج، أم قلبٌ هادئ من الداخل..؟ هل راكمنا الأشياء لنعيش حياة ملؤها السعادة والرفاه، أم كان همنا الأكبر هو المباهاة أمام الآخرين بما لدينا من ممتلكات، وإن كانت مشترياتنا بنقود نحن في الأصل لا نملكها.

التحول المطلوب ليس في تقليل الاستهلاك فحسب، بل في تحرير حياتنا من وطأة ما لا يضيف لها قيمة. أن ننتقل من التكديس إلى التدبير، من الإنفاق العشوائي إلى الاستثمار في الإنسان.

هذه ليست دعوة للتقشف، بل دعوة للذكاء المعيشي. أن نستهلك بوعي، أن نختار بحكمة، وأن نزرع في أبنائنا هذا الفهم منذ الصغر، لنُسلّمهم وطنًا لا يفيض بالأشياء، بل يفيض بالقيّم.