معا لبناء أسرة متوازنة
في واقع الأمر، وإذا ما أردنا أن نمضي قدما نحو تحقيق علاقات ملؤها مودة ورحمة تسهم إيجابا في نمو الأواصر الإنسانية والاجتماعية؛ بل وازدهارها ونجاحها بصورة تتوافق وسجية العقل البشري. وهذا النشاط الحيوي أمر فطري بطبيعة الحال؛ إذ يساعد بشكل فعال في الوصول إلى عوامل عدة منها: الطمأنينة والسكينة والهدوء النفسي، ناهيك عن استقرار المنظومة المجتمعية برمتها، إضافة إلى زيادة التواد والترابط والألفة بين الأفراد فيما بينهم. هذه واحدة، وأما الأخرى فهي المنهج السليم في خضم نسيجنا الاجتماعي المتجانس، ويتمثل ذلك بثباته وتعاضده حتى ترتسم في الأفق ملامح ملائمة تؤدي إلى نهاية مرضية ينشدها الجميع من ذوي الرأي المضيء والسلوك المستقيم والإدراك الحكيم.
ومما لا ريب فيه أن المودة والرحمة هما الأساس في عملية بناء صلات متعافية وآمنة لبني البشر. كما يعد هذان المصطلحان من أهم الاشتقاقات القيمية والمبادئ الرفيعة التي جاء بها سماحة الإسلام القويم، باعتبارهما من الأمور التي تدفع إلى إنشاء ثلة متماسكة تمتاز بدرجة فائقة من الانسجام والائتلاف، ومتى ما توافرت تلك المحددات والمطالب المقبولة، سنصل حتما إلى دائرة اجتماعية رصينة يتصف عناصرها بالسلام والسكون، ناهيك عن الانضباط الذهني بأنماطه الصائبة.
إذا أعتقد جازما أن الصفتين المذكورتين آنفا في معرض هذه المقطوعة من الحديث، هما بلا شك تحويان بين جنباتهما العديد من السمات الكريمة والخواص الجليلة والمعاني السامية، وكل ما ذكر مقترن برقة القلب ونقاء النفس وحسن النية وطهارة الروح وعفاف الذات، والبراءة من الشوائب والدنس. وبناء عليه، تنكشف منافع جمة تجاه تشييد مجتمعات مستقرة حيث تقوى المحبة ويزداد الإخاء، ويكثر التواصل المثمر، مما يجعل الأمور أعظم صلابة وثباتا عند المحن. كما أن المودة والرحمة تسهمان في تحقيق حياة هانئة بين الأزواج، وتطوير العلاقات الأسرية، وجميع الأعراف النزيهة والصادقة المعمول بها بين العنصر الآدمي كافة حتى نبلغ الوئام والانسجام.
عزيزي القارئ، إن المنزل وما يضمه بين جدرانه من أفراد وموروثات هما مقدمة يبدأ من خلالها الانطلاق نحو إيجاد مجتمع صحي مثالي ينتج عنه بيئة مطمئنة وقناعات متعافية لمجموعة من المعاني العالية، مما يعزز أمنهم وحقهم الوجداني والعاطفي، كما يساعد في تقليص الأزمات الاجتماعية، وعدم الإقدام على المساوئ الذميمة، كالانحراف والخطيئة والخروج عن سبيل الحق وغير ذلك من المعايب، وما تزينه رغباتنا من مخجلات ومعاص منافية للفطرة والذوق والمعتقد - حمانا الله والجميع من شرور أنفسنا -.
إن ما نسج لشخوصكم الموقرة من كلمات خجولة آمل أن تكون سلسة ومعبرة، وأقوال تشير في مجملها إلى دلائل وبراهين أكد عليها كتابنا المبارك بآيات هائلة مبهرة لا حدود لها، لإيضاح وإظهار العمق الحقيقي لما نوهنا عنه في ظاهر العنوان أعلاه، وما يشتمل عليه من فحاوى ومضامين متقدمة، جلها يأتي في سياق منافع عامة أخذت من تعاليم صافية نيرة لا لبس فيها على الإطلاق، لبلوغ أجود وأسمى صنوف المناهج الفاضلة والمناقب الزاهية بما يتجانس والمثل العليا التي من خلالها تتناغم أرفع درجات الشفقة والرأفة ولين الجانب والارتياح النفسي، وكذلك الشعور الإيجابي حتى نصل إلى مناخ سليم ينتج عنه منافع عامة شخصية وعائلية وكذلك اجتماعية وغيرها من الارتباطات على وجه العموم.
من هنا يلزمنا التأكيد والتذكير بدور الجمعيات ذات الصلة بما أشرنا إليه في افتتاحية هذا المقال، وعلاقة تلك المؤسسات التي تسير جنبا إلى جنب نحو ذلك المنحى التربوي، وما ينتهي إليه من مودة ورحمة. والجدير بالذكر، وبما يتعلق بالمنظمات الخيرية، نشير هنا إلى أنها كيانات تسير في خضم أعمالها بعدة أصناف فاضلة وكريمة كالتعليم والتوجيه والإرشاد والتوعية وإصلاح الأسرة وإزالة الخلل بتنفيذ برامج متنوعة للوصول إلى ما هو أجود، لنؤسس حياة كلها ثقة وعطاء بشكل مستديم.
ومن ذلك المبدأ، يجب السعي حثيثا لاستقرار الوضع العام للأسرة من خلال النصح والتدبير وإدارة المواقف، ولن يتسنى ذلك إلا ببناء جيل أكثر وعيا وإدراكا، قادر على مواجهة الشدائد وما تفرزه من تحديات واختبارات شائكة، يستلزم لتخطيها أن نعمل جاهدين لتثبيت وتعزيز التفكير الراجح والحكيم، وتأهيل الكفاءات حتى نصبح قادرين على صنع ما هو مطلوب، ونضع لأنفسنا مكانة تليق بآدميتنا وكرامتنا، لنحقق الهدف الأسمى لمسيرتنا الحياتية كما أمرت بها كل الفضائل الإسلامية والأعراف البشرية التي تتخذ من المروءة والشيم مسلكا يحتذى.
المكرمون الأعزاء من قراء وقارئات، وصلنا إلى خاتمة ما هو معنون لنصنا هذا، وما بين سطوره من محتوى حيال النوايا وصفاء القلب والتشبث بالهداية والرشد وإصلاح الذات، ونشدد على أن من لا يشكر المعبود لا يشكر العباد. فبداية ومن الضرورة بمكان أن نتقدم بالشكر والعرفان والتبجيل والإكبار لأعضاء مجلس الإدارة، ولكل القائمين من المشرفين والمعنيين على جمعية ”مودة ورحمة“ للتنمية الأسرية، والتي تعنى بالتوجيه السديد للمقبلين على الزواج وتبيان قيمة ذلك الارتباط الغليظ والمقدس لما له من أثر بالغ الأهمية على المجتمع كافة، والعمل بجهد مضاعف لتقليل شبح الانفصال ومخاطر الطلاق، خصوصا الفئات العمرية الحديثة التي لا تعي مكاره الإقدام على مثل هذا السلوك المشين، والذي من شأنه أن يدمر كل حبال المودة بين الأزواج، مما يترك أثرا جارحا بين الأطراف ذات الصلة لا يزول على المدى القريب، بل تبقى تداعياته لفترات بعيدة من الزمن، حيث لا يجني المتباعدون المتضررون منه إلا آلاما وندما وحسرة وخسرانا.
نعم، لقد اتخذت هذه المؤسسة الميمونة من مدينة سيهات مقرا لها، وقد أبصرت النور في 15/7/1446 ه، ولجميع الأعضاء من رجال أوفياء ونساء فضليات نبعث أصدق التحايا وفائق التقدير والتبجيل والاحترام لشخوصهم الوفية على تلك الجهود المباركة لإصلاح ذات البين بقدر المستطاع، لإيجاد بيئة معافاة خالية وبعيدة كل البعد عن الملوثات المعيبة كالمشاحنات والنزاعات التي لا نحصد من ورائها إلا خيبات للطموح والآمال، وكذلك الانكسار والخذلان. لذلك، ومن منطلق الشعور بالمسؤولية، ندعو النخبة والصفوة وأهل الفكر الوازنين من العلماء والمثقفين الأكارم إلى دعم وتعزيز ومساندة جهود هؤلاء المثابرين الوفيين لننجز معا مستقبلا نافعا لأجيال تلو أجيال.
لهذا، نؤكد لكل القائمين على مثل هذه المناشط المباركة، ونقول: شكرا أيها الصادقون، شكرا أيها المخلصون، شكرا أيها المقدرون، شكرا أيها الفاضلون، على كل ما تبذلونه من جزيل العطايا وجميل الهبات للأبناء وفلذات الأكباد من فتية وفتيات، لنظفر بأوضاع أغلبها رغد عيش وفرحة ورخاء، ليسود النفع أرجاء البلاد وعموم العباد.