الوفاء عندما ينتشر وباء الانتهاز
﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [سورة البقرة: الآية 237].
آية واحدة.. فيها إرساء لمعانٍ كثيرة، وردُّ الجميل والوفاء هما عناوين من عناوين التطبيق الملموس للفضل، وهما من أجمل معاني التذوق لطعم الحياة الطيبة، والعروج في مراتب السعادة والطمأنينة.
الآية الكريمة توجيه رباني يحمل القارئ لكتاب الله على الوفاء لكل شخص تربطه به علاقة نظيفة، وعهد موثوق وموثَّق، ورباط قلبي محمود، وجوار حسن، ومعاملة طيبة. وتنبذ الابتزاز والانتهاز والاستغلال تحت أي مسمى.
في عالم التطارحات الأيديولوجية والسلوكية، ننصدم ببروز بعض الأصوات التي تنطق وتروِّج لنقض العهود، وهتك الاحترام، وإبراز المناكفات، والفجور في الخصومة، وتمزيق المواثيق، ونكران الجميل، والتنصل عن الحقوق، والإمعان في عدم الوفاء، والتوغُّل في النكاية؛ وكأن أصحاب تلكم الأصوات تعرَّضوا لغسل دماغ، أو مسح ذاكرة، أو انقلاب أخلاقي حد الفجور، أو إعلان كفر بواح بكل محاسن الآخرين.
تعرَّض ويتعرَّض البعض من الناس لضغوط دنيوية مختلفة، سواء مالية أو معنوية، أو مضايقات في العمل وأماكن استحصال الرزق، أو تهميش من بعض أجنحة المجتمع، أو اختلاف رأي في موضوع ما. وقد يُحجب البعض بسبب انتمائهم الفكري أو المذهبي أو المناطقي أو العرقي عن استحصال مقعد في تخصص جامعي ما، أو ترقية في شركة ما، أو وظيفة في مكان ما، أو… أو… أو… وقد يصل بعضهم في الانغماس في تغذية عقله الباطن، وفي تفسير حالة الاضطهاد التي عانى منها، بأن ينقلب على أبناء مجتمعه ومن ينتسب لنسيجه، ويسن لسانه، ويشحذ خنجره ليطعن به حتى من كان بالأمس أقرب الأقربين له. لسان حال من يراقب حالات انقلاب البعض في جحود محاسن مجتمعاتهم الأصلية والتنكر على أبناء عرقهم، يوافق لسان حال الآية الكريمة: ﴿يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ [سورة يوسف: الآية 84].
أرجو من أولئك الأزواج / الزوجات أن لا ينسوا الفضل بينهم، ولا يتمادوا في كره أزواجهم/هن بسبب مظاهر شاهدوها في إنستغرام، وتعلَّقوا بها من أطعمة أو جهات سفر، ففاضح الخلاف والتلاعن وجحود الجميل بارز للعيان.
أرجو من الأصدقاء أن لا ينسوا الفضل بينهم، ولا يتمادوا في الكره بينهم بسبب نقاش عابر، أو تعليق ماسخ، أو تأخر عن استجابة دعوة!
أرجو من المثقفين أن لا ينسوا الفضل بينهم، ولا يتمادوا في الكره لأبناء المجتمع، فيتمادوا في استخدام كلمة ”القطيع“ أو كلمة ”همج رعاع“ بسبب اختلاف وجهة نظر، أو اختلاف في قراءة معينة لحدث ما، أو عدم استجابة دعوة ما! والأوجب أخلاقيًا هو التحاور الإيجابي الفعّال بدل التلاعن والتراشق والنبذ؛ فإن الأشرار المتربصين يعملون عمل الشياطين في التحريض بين الإخوة والأصدقاء والأحبة.
أرجو من طلبة العلوم الدينية أن لا ينسوا الفضل بينهم، ولا يتمادوا في مناكفة من لا يعجبهم رأيه من أبناء المجتمع، ولا يتمادوا في تفسيق كل شخص، أو الطعن في دينه، أو الكيد كذبًا لتسقيط شخصه بسبب اختلاف وجهة نظر في جزئية ما، أو اختلاف في قراءة معينة لحدث ما، أو انتقاد بناء على أسلوب طرح ما!
أرجو من رجال الدين البارزين، ووجهاء المجتمع الفاعلين في مجال حفظ مكاسب المجتمع، أن لا ينسوا الفضل بينهم، ولا يسمحوا لأحد أن يتمادى في إقصاء الآخرين، والاستفراد بالآراء، وفرض الوصاية على المجتمع، أو إلغاء من لا يعجبهم رأيه من أبناء المجتمع؛ وأن يحافظوا على مسافة متساوية من أبناء المجتمع دون مفاضلة أو محاباة. وأن يتدخلوا لرفع شأن الجميع، ولا يسمحوا لأحد أن يتمادى أو يتطاول في تفسيق، أو تسقيط، أو الطعن، أو الكيد كذبًا لتسقيط شخص آخر بسبب اختلاف وجهة نظر في جزئية ما، أو اختلاف في قراءة معينة لحدث ما، أو انتقاد بناء على أسلوب طرح ما! ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [سورة البقرة: الآية 237].














