آخر تحديث: 28 / 4 / 2025م - 1:48 ص

الاستثمار في بناء الإنسان «1»

ياسين آل خليل

بناء الإنسان عملية معقدة عمادها التربية السليمة. والتربية مفهوم قديم كقدم الإنسان على سطح الأرض إلا أنها تطورت مع الزمن حتى غدت أهميتها موازية للكثير من متطلبات الحياة الأساسية في عالمنا المعاصر إن لم تتفوق عليها وذلك لارتباطها الوثيق بالتطور الذي تنشده الأمم.

عندما نتحدث عن التربية فإننا تقصد بذلك تطوير وتنمية الأفراد في مهاراتهم وقدراتهم الحياتية. والتربية في تعريفها الشامل تتناول بناء شخصية الفرد وتقويتها وتهذيبها فكرًا وممارسة حتى يتم توظيفها واستغلال طاقاتها للحاق بركب التقدم العالمي.

لا يمكنني الخوض في بحر التربية دون أن أذكر ولو واحدة من تلك الدول التي برعت في شق عُبَاب ذلك البحر وللججه بكل حرفية وإتقان حتى اتخذت من تلك التجربة منهاجًا أسس لسلوك نموذجي يُحتذى به. اليابان ذلك البلد الذي تحسبه متناثر الأصقاع والأطراف جغرافيًا، إلا أنه جسّد إنموذجًا حيّا لتجربة ناجحة قلّ أن تجد مثيلها..

انتهت الحرب العالمية الثانية بعد أن أفنت ملايين البشر ونسفت بُنًا تحتية وفوقية فاقت كل التصورات. استيقظت بعدها الدول المشاركة من سباتها لتصل إلى نتيجة واضحة المعالم بأن كل ما جرى لا يتعدى كونه حماقة بشرية هدّامة وأن مواصلة تلك الحماقة هو دون شك مَسٌ بل ضربٌ من الجنون. استيقنت تلك الدول في نهاية المطاف بأن غض الطرف عن سعير تلك النار يعني فناء البشرية وإنجازاتها، والسعي لإيقاف تمدد لهيبها بتضميد الجروح وعقلنة التوجه العام بدلًا من شيطنته لهُو البلسم وترياق العلاج.

اليابان تعرضت لأكبر عملية إرهابية شهدها القرن العشرين بعد أن ضربتها الولايات المتحدة بقنبلتين نوويتين راح ضحيتهما أكثر من 220، 000 مواطن. هذه الكارثة لم تترك أمام اليابان خيارًا آخر غير الاستسلام لحماية مواطنيهم من موت محتوم أمام عدو لا يرف له جفن حتى لو وصل به الجنون إلى أن يفنى اليابان من خارطة العالم في جو تسوده الوحشية وغياب الضمير الإنساني. ذلك الوحش لم يجد في أفقه الضيق الا اللجوء الى القوة المفرطة وباستخدام سلاح دمار شامل لا يُبقي ولا يذر ليتوصل إلى الحل الذي ينشده وهو التسلط على رقاب الأمم واستعبادها ونهب خيراتها.

انتهت الحرب وخرجت اليابان دولة محطمة إلا في إرادتها، فقادتها لم يكتفوا بفتح دور العزاء ويبكوا ما أصابهم من فقد للأحبة ودمار شامل تعجز أن تحصيه الدفاتر والأقلام. القادة اليابانيون شمّروا عن سواعدهم وأزالوا الغمام عن عقولهم، فنفضوا رماد التدمير وشرعوا في بلورة الخطط والاستراتيجيات والأهداف للنهوض من جديد ليثبتوا للعالم بأن اليابانيون مازالوا يمتلكون الكثير من الإرادة الحرة والرؤية الثاقبة للخروج من هذه الأزمة أكثر قوة وعنفوانًا. «وللحديث بقية».