الفوضى اللاخلاقة وداعش الإرهابية
الكثير من الناس الذين يعملون في مجالات الإبداع غالبًا ما يفضلون بيئة فوضوية وغير منضبطة. فالرسام المشهور بيكاسو قال مرة ”فعل الفن يبدأ كعمل من أعمال التدمير“ وهذا يحدث عندما يتم تدمير ما هو متاح على أمل أن ينتج عنه شيئًا إيجابيًا. هذه الرؤية تعكس الجانب المضيء لنظرية ”الفوضى الخلاقة“ أما الجانب المعتم لتلك النظرية فهو أن تُوجه بوصلة الفوضى لتدمير الإنسانية ومكتسباتها وباستخدام أدوات غبية لا تعرف للإبداع مسلكًا وسبيلا. الإبداع يحتاج إلى أناس يقدسون العقل ويوظفوه بطرق مهنية محترفة يكون فيها الإنسان محور ذلك الإبداع، لا أن يكون محور التنكيل والهدم.
أطروحة الفوضى الخلاقة ظهرت إلى الوجود من قبل منظرين يؤمنون بأن الفوضى وعدم الاستقرار اذا ما استوطنت بقعة من الأرض فإنها ستطلق العنان الى صراعات وخلافات طائفية وعرقية تنتهي في نهاية الأمر الى بلورة نظام جديد قادر على ضبط تلك الفوضى وتحويلها الى بيئة منظمة يسودها الأمن والرخاء.
المنظرون لتلك الأطروحة أثاروا جدلًا واسعًا في أروقة مراكز البحوث ودور النشر والصحافة في مختلف أنحاء المعمورة بطرحهم لفكرة أن الإسلام هو الناقل الأساس للإرهاب وبأنه المهدد لأمن العالم الغربي بأسره. وحتى تترسخ تلك الفكرة في عقول الناس وتصبح واقعًا ملموسًا، رأت الولايات المتحدة الراعية لتلك الفوضى أنه بات ملزمًا صنع ذلك العدو الذي يمتلك المواصفات القادرة على نشر تلك الفوضى، فلم ترى أفضل من ”داعش“ للعب ذلك الدور. وما داعش إلا صورة معدلة للقاعدة بمواصفات جديدة تتوافق وخارطة طريق المرحلة القادمة التي خطط لها منظرو الفوضى الخلاقة لرسم ملامح شرق أوسط جديد لطالما حلموا بإنشائه.
استراتيجية ”الفوضى الخلاقة“ التي يتم تطبيقها في عالمنا العربي والإسلامي، ماهي إلا مشروع كبير يراد من وراءه الرجوع بتلك البلدان الى العصور المظلمة بعد أن يتم تدمير بناها التحتية والفوقية وتفتت جيوشها وتسحب فوائضها المالية قبل أن تستثمر في مشاريع تنموية يمكن أن ترتقي بتلك البلدان وشعوبها، وهذا مالا يتوافق والرؤية الغربية.
عندما يتمكن الوهم من السيطرة على عقول الاستراتيجيين، كما يُسمون أنفسهم، ليعتقدوا أنهم بمواصلة السير في تطبيق أجندتهم الفوضوية تلك سيتمكنوا في نهاية المطاف من إعادة هندسة ما دمرته أيديهم وفقًا لاحتياجاتهم الجيوستراتيجية، فهو كمن يركض وراء السراب ليروي عطشه اللامحدود.
شعوب المنطقة اليوم تعبت ولم يعد بإمكانها أن تتحمل المزيد من التقتيل والتشريد. الجميع بات يبحث عن الأمن والسلام. بكل بساطة صار المواطن واعيًا لما يجري حوله ولا يريد لبلده أن تتحول الى مختبر تجارب لنظريات فاشلة همها دمار الأوطان وانتهاك المحرمات وقتل الإنسانية والظفر بخيرات البلدان دون مقابل.
اليوم انكشف المخبوء واتضحت الرؤية وانكشف وجه الغرب القبيح بعد أن أوغل في نشر الفوضى في كل حدب وصوب. صار الإرهاب يلاحق الأبرياء ويتوعدهم بالموت بل يغتالهم وهم ركع سجود دون أن يرف جفن لمن خطط أو تآمر أو تعاطف. أما الغرب الذي يرسل طائراته من غير طيار بعد أن رصدت عن بعد عنصرًا من القاعدة لتصطاده بعد دقائق وجيزة بأحد صواريخها الذكية وتقضي عليه في اليمن أو باكستان، يريد أن يوهم الناس بأن طائراته المجهزة بأحدث أجهزة الرصد والمرتبطة بأقماره الاصطناعية والتي يمكنها رصد النملة وتحركاتها قد فقدت قدرتها على رؤية تحركات داعش الإرهابية وهي تتنقل في أفواج كبيرة بين العراق وسوريا. على الغرب أن يعي بأن شعوب هذه البلدان لديهم من المفكرين من يمتلك عقولا قادرة على التفكير والتحليل وأنه لا يمكن أن تنطلي عليهم تلك الألاعيب.
نشر ثقافة التوحش والكراهية في عالمنا العربي والإسلامي ماهي إلا مصداق للأنانية التي يتصف بها الغرب وإن عمل جاهدًا على تحسين نظرة الناس له من خلال التضليل وفبركة الحقائق. الفوضى اللاخلاقة وإن أريد لها أن تكون خلاقة ماهي إلا سياسة لا إنسانية ولا أخلاقية تدمر ولا تبني، تميت ولا تحيي وتنشر الفساد في الأرض ولا تصلح. فهل يمكن لأي أحد عاقل أن يدعي بأن تلك الفوضى العبثية التي ينشرها الغرب بأدواته الظلامية والمتمثلة في ”داعش الإرهابية“ يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون خلاقة سواء طال بها الزمان أو قصر.