آخر تحديث: 28 / 4 / 2025م - 1:48 ص

الحديث الداخلي والتفكير الإيجابي‎

ياسين آل خليل

من منا لا يُحَدثُ نفسه..؟ الحديث مع الذات حقيقة تُلازم كل فرد منا وقد يتعدى حديثنا مع أنفسنا حديثنا مع الآخرين. الحديث مع الذات يأخذ عدة أشكال فأحياناً يكون بصوت عال وأحياناً أخرى يميل إلى الهمس وفي الكثير من الأحيان يكون حديثنا حديثاً داخلياً بعيداً عن مسامع الآخرين.

تلك الأحاديث تختلف بين شخص وآخر، فمنها ماهو إيجابي بنّاء وآخر سلبي ومُدمّر. السؤال المهم هنا والذي يحتاج إلى إجابة هو: هل يوجد هناك من سلطة تقنن هذا النوع من الإتصال..؟ أو أن هذه الإتصالات تتم بعيداً عن تحكم الإنسان، فتأتي متى وكيف تشاء. التجارب الحياتية أثبتت أن المحيط البيئي هو المؤثر الأكبر والأوفر حظاً في الإستحواذ على نصيب الأسد من ذلك الحديث الداخلي والذي يدور بين المرء وذاته..

ولأننا نعيش في زمن يغلب عليه طابع الإجهاد النفسي لكثرة المشاغل ومتطلبات الحياة، ومرارة البيئة السلبية المحيطة بنا، من إرهاب وحروب وأوضاع إقتصادية متردية، بات الكثير من الناس في شغل شاغل بهذه الأشياء حتى تكاد ترافقهم إلى مضاجعهم وإن عٓلمُوا مسبقًا بأنها لا تعيد عليهم بالنفع من قريب أو بعيد. للأسف الكثير استسلموا لكل تلك الوساوس الشيطانية، إن صح لي تسميتها، فاعتمرت دواخلهم بالأفكار السلبية والغير صحية.

لذلك أمست الناس أمام تحد كبير مع ذواتهم وفي كيفية إنشاء وتأسيس بيئة صحية خالية من الناس النكديين والذين يمتهنون السلبية في كل زوايا حياتهم اليومية ويبحثون عن كل ما يعكر صفو الحياة من أخبار وأحداث يجترونها ويزيدوا عليها من خبراتهم في هذا المجال حتى يخرجوها بشكلها الكارثي المٰحٓطّم والمدمر للأنفس والبعيد كل البعد عن الإيجابية والواقعية.

أكثر من ذلك، الكُل بحاجة للتقليل من سماع الأخبار، فلا أعتقد أن سماع الأخبار لأكثر من مرة واحدة في اليوم هو ضرورة أو حاجة، إلا لفئة بسيطة جدًا من ذوي الإختصاص.. بقدر المستطاع علينا أن نختار المعلومة التي نريد لعقولنا أن تحتفظ بها وحبذا لو تكون أغلب المعلومات إيجابية. لأننا لا يمكن بأي حال أن نطلب من عقولنا أن تفكر بطريقة إيجابية ترجع علينا بالنفع ونحن نغذيها صباحًا ومساءً بكل ماهو سلبي.

عملية التفكير الإيجابي لا تحصل بين ليلة وضحاها، فهي عملية تراكمية وفي غاية التعقيد من زاويتها التكوينية. عندما تكون البيئة والمحيط العام سلبيًا بل كارثيًا لكثرة المؤثرات الغير إيجابية فيها، وللأسف كالبيئة التي نعيش فيها، تتحول عملية التفكير الإيجابي إلى ما يشبه المستحيل. من هذا المنطلق يتوجب على الواحد منا أن يُدرب نفسه على التفكير الإيجابي وأن يتجاوز الظروف الشخصية المخيبة للآمال. كذلك على الواحد منا أن يتحرر من ماضيه المؤلم ويركز على الذكريات السارة وذلك من خلال ممارسة الحديث الإيجابي مع الذات. ممارسة تلك الأحاديث الإيجابية الداخلية ستخلق تحولاً كبيرًا في الطريقة التي يفكر بها الإنسان، وستُولّد أفكاراً إيجابية قادرة على تحويل أحاديث الفرد إلى أحاديث هي في محل الرضا الذاتي والمقبولة لدى الآخرين.

هذا التحول الداخلي سيدفع صاحبه إلى كيفية من التكامل الذاتي والراحة النفسية. هذا المنحى من التغيير سيتبعه تحولاً خارجياً سينعكس بدوره على مُجمل علاقات الفرد وتواصله مع الآخرين، وهذا دون شك ما ينشده الجميع. ولأننا خُلقنا كشعوب وجماعات لنتعارف، فإن التعارف يتطلب إيجابية في التفكير وإيجابية في الحديث الذاتي والأحاديث المباشرة الأخرى مع الآخرين.

إذن من هذه الدقيقة فلننتفض على كل ما يُعٓكّر صفو حياتنا من سلبيات وليبني كل منا لنفسه خزانة جديدة يختزن فيها أفكاره. ولتكن تلك الخزانة مقتصرة على كل ماهو إيجابي وصحّي، ولنُشٓيّد حول تلك الخزانة جدارًا ناريًا يعمل دون أن يسمح للأفكار السلبية والمنكّدة أن تنفذ وتحتل مكاناً لها في تلك الخزانة. إصرارنا على إنجاز تلك المهمة بالشكل الصحيح هو حصانة لأنفسنا وتنقية لعقولنا وهدفٌ سامٍ ربما يكون من أهم الأهداف على سلّم الأعمال التي نسعى لإنجازها ونحلم في إتقان صُنْعها لنصل إلى تلك الدرجة من التكامل النفسي الذي يحفظ لنا توازنًا حياتيًا مرموقًا. دمتم سالمين