آخر تحديث: 28 / 4 / 2025م - 1:48 ص

المزاج المتقلب وإدارته‎

ياسين آل خليل

حالتنا المزاجية هي تفاعل معقد من مكونات نفسية وجسدية. ولأن وضعنا العاطفي له دور مركزي في بلورة حالتنا النفسية، ولأنه جزء حيوي من حياتنا اليومية، بات علينا أن نعطي ذلك الجانب من الحياة أهمية قصوى وعناية فائقة.

سواءً كنت في غمرة من الضحك جراء قراءتك لرسالة نصية وصلتك للتو من صديق، أو شعور بإحباط إنتابك في ساعة الذروة المرورية وأنت قادم من عملك، فأنت تعلم بأن تلك الإرتفاعات والإنخفاضات في مزاجك العام يمكن أن تؤثر تأثيرًا كبيرًا على صحتك ووضعك النفسي.

قدرتك على تنظيم تلك المشاعر وانعكاسها على مجمل تصرفاتك، بدوره يؤثر على النظرة التي يراك عليها الناس من حولك. إنفعالاتك المشحونة بالغضب لأتفه الأسباب ودون أن يكون هناك تقييم لكل حالة بعينها، يجعلك في محط تساؤلات أمام نفسك والآخرين. بعض الإنفعالات العاطفية قد لا تحتاج إلى تنظيم معين، وقد لا بكون هناك ما يدعوك لعصر دماغك كي تجد طريقةً مختلفة ناجعة تتعامل فيها مع الأشياء من حولك، إلا أن هناك الكثير من الحالات الأخرى التي تدعوك للتوقف والتأمل، عسى أن تجد لنفسك مخرجًا يؤمّن لك سلامةً ترضاها.

تعبيرك عن حالة الغضب التي تنتابك في بعض الحالات قد تشعرك بشيئ من التنفيس، إلا أنك بقليل من التنظيم الداخلي وتهدئة النفس بشكل مستمر وفي جو بعيد عن الأجواء التي تولدت فيها تلك الشحناء، قد تتمكن من إيجاد طرق أخرى بديلة تساعدك في التخلص من تلك الشحنة الكبيرة من التوتر والإضطراب العاطفي. هذه الحالة من الإضطراب والحيرة قد لا تقف عند هذا الحد وكفى، بل تتعداه لتتحول إلا مسلسل تراجيدي لا تكاد حلقاته تصل الى نهاية، إلا بتدخل منك أنت، لأنك المخرج التنفيذي لجميع تلك الأعمال على مسرح الواقع.

محبط، لا أحد يستطيع أن يلومك، فكثيرًا من الأحيان يوصلك البعض من خلال تصرفاتهم إلى هذا وأكثر. لكن ليس من الحكمة في شيئ أن تجعل غضبك يكلفك علاقات مهمة، أو أن يفقدك وظيفة مرموقة، وأهم من ذلك كله صحتك والتي هي بالدنيا ولا يعادلها شيئ.

لحسن الحظ أنه ما زال أمامنا متسع من الوقت لنستثمر بعضًا من طاقاتنا في تنظيم مشاعرنا وإعداد أنفسنا باكرًا قبل أن نجد أنفسنا يومًا ما مكرهين في إشكالية عاطفية مع أحد فيصعب علينا حينها الخروج بسلام ودون خسائر تذكر.

لتكن لدينا القدرة على تجنب تلك الحالات التي تثير التشنجات العاطفية الغير مرغوب فيها. لا أحد يلزمك بأن تُبقي نفسك أسير أجواء مشحونة ومخيبة للآمال ولفترات زمنية طويلة. نحن جمبعًا ندرك بأنه ومنذ أول يوم للبشرية على هذا الكوكب والفوارق بين الناس متباينة. وهذه سُنّة الحياة في أن يكون فيها هذا التنوع والتباين المادي والإجتماعي. تلك الإختلافات من طبيعتها أن تخلق لدى البعض إحساسًا بالدونية. قدرة هذه الأطراف على تحويل تركيزها إلى شرائح من المجتمع هم أقل إمكانية، قد يشعرهم بمزيد من الثقة وبأنهم بقدراتهم الحالية يمكنهم أن يوفروا لأنفسهم حياة متوازنة خالية من نوبات اليوفوريا العارمة التي تنتابهم بين الحين والآخر ودون فائدة شخصية تلوح في الأفق،

في صميم أعماق مشاعرنا تكمن معتقداتنا التي تدفع تلك المشاعر للإحساس بالحزن عند فقدنا لشيئ وللغضب عندما نفشل في تحقيق هدف ما، وبالسعادة عند توقعنا بأن هناك شيئًا إيجابيًا في الطريق إلينا. قدرتنا على التحكم وإدارة اليسير الممكن من أفكارنا لا يجعلنا قادرين على تغيير أنفسنا رأسًا على عقب، لكننا على أقل تقدير يمكننا تغيير نمط تفاعلنا مع المتغيرات من حولنا والتي نعتقد أنها ذات تأثير مباشر علينا.

إذا فشلت كل المحاولات وبات تجنب تلك الأمور غير ممكنًا، يبقى خيار تنظيم المشاعر لدينا خيارًا إستراتيجيًا مُلزمًا إن كنا نبحث عن حل. أن تكون قادرًا على تنظيم أفكارك وردود الفعل الخاصة بك فهذا ما يرفع من مستوى الثقة لديك ويجعلك متمكنًا من تحويل ردات الفعل السلبية إلى إيجابية وهذا من شأنه مساعدتك على إكتساب الكمال العاطفي والذي بدوره يوصلك إلى الراحة النفسية التي تنشدها، وبها يستقر حالك.

كم نحن بحاجة إلى التجديد والتغيير، والبعض قد يوافقني الرأي لو قلت أننا كأفراد بحاجة إلى نهضة داخلية وانقلاب على الكثير من العادات الشخصية التي تأصلت فينا وأصبحت تؤرقنا ليل نهار وحوّلت حياتنا إلى جحيم لا يُطاق. إبدأ يومك بحديث إيجابي مع ذاتك، قُل لها ”أن هذه موجة عابرة وستنتهي“.

إستبدل كثيرًا من عاداتك التي تعتقد أنها تسبب لك الكثير من القلق النفسي وتجعلك تتذمر معظم أوقاتك. إذهب في نزهة، تخلص من الشرود الذهني، تواصل مع الإيجابيين من أقربائك وأصحابك، خذ قسطًا من الراحة فهذا يعزز من مناعتك ويحسن من مزاجك واتزانك العاطفي، إفعل أي شيئ يصرف انتباهك عن مخاوفك ويبعدك عن مكامن القلق والتوتر لديك. أخيرًا سامح الآخرين وإن أخطؤوا في حقك، فكلٌ منّا عابرُ سبيل في هذه الحياة وليس فيها ما يستحق أن نحمل على بعضنا البعض ونهدم جسور التواصل. وليكن معلومًا لدى كل منا بأن هذا العالم ليس مصممًا ليلائم أمزجتنا، لكن دورنا هو أن نتأقلم لنلامس الممكن والمتاح ونحيا حياة تستحق أن تُدعى حياة. دمتم سالمين