صحتنا العقلية والعاطفية
نحن جميعًا كبشر نتشارك في كوننا مخلوقات عاطفية. هذه هي أحد نعم الخالق علينا، إلا أنه من سوء التدبير يمكن أن تتحول هذه النعمة إلى نقمة. هذا بطبيعة الحال لا يدعونا أن نكون متشائمين ما دام هناك من ندروا أنفسهم لخدمة البشرية فقدّموا لنا الكثير من الإضاءات في هذا الجانب المهم من الحياة. من تلك الإضاءات أنه يمكننا كأفراد أن نحافظ على صحتنا العاطفية وتعزيزها من خلال مجموعة من الاستراتيجيات العملية. من أول وهلة قد يبدو هذا العمل مُضنيًا، لما يتطلبه من جهد، لكن مع مرور الوقت سنكتشف أنه فضلًا عن كونه عَمَلًا داعمًا للثقة، يتميز هذا النوع من النشاط بمواصفات تجعله جذابًا ومشوقًا ومثيرًا للجدل.
ما نحتاجه في إدارة عواطفنا هو أن تكون لدينا رؤية شاملة عن كيفية تحول الأفكار إلى مشاعر. وكيف أن تلك المشاعر سرعان ما تتجسد إلى سلوك، مرة تطغى عليه السلبية، وأخرى يكون فيها إيجابيًا خالصًا لا شائبة فيه. لذلك علينا إعداد أنفسنا لتلك الأوقات الحرجة بتبني مهارات التأقلم التي جمعناها عبر سنوات حياتنا وإثر معايشتنا لمختلف التجارب الصعبة مع الآخرين وما يحيطنا من بيئة مجتمعية، دراماتيكية التغيير، وكيف تعاملنا مع كل منها بروح رياضية نتوق فيها إلى التعلم من كبائر الأمور وصغائرها. هذا وغيره كان بمثابة المدرسة التي نستمد منها ما نحتاج إليه من خبرات لنعيد من خلالها هندسة أفكارنا وتطويرها لتتماشى مع تغيرات الزمن وما يتطلبه من أدوات لا غنى عنها، تسهم في تسهيل المسيرة الحياتية بجهد يسير وأجر كبير.
إدارة العواطف تحتاج إلى تغيير في طريقة التفكير، تتبعها مشاركة فعلية طابعها سلوك إيجابي وردّات فعل تسودها العناية والاهتمام من قبل الطرف الآخر. الفكرة هنا تكمن في الشعور بالاختلاف، الذي لا يعتمل من فراغ، بل يسبقه عَمَلًا مختلفًا عن المألوف. وعمل كهذا يبتدئ ولا ينتهي بقدرتنا على إدارة حديثنا الداخلي الذي يهيئنا للعديد من الفرص والخيارات التي تعزز من مقاومتنا لمجاراة أو مواجهة الوضع الراهن.
قبل أن نُقحم أنفسنا في أي نوع من التواصل مع الآخر، سواءً كان ذلك التواصل شفهيًا أو مكتوبًا أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، علينا أن نطرح على أنفسنا بعض الأسئلة التي من شأنها إيصالنا إلى ما يمكن أن نطلق عليه حديثًا أو تواصلًا متوازنًا. وأول سؤال يخطر على البال هو: ما الذي يدعونا لردة الفعل التي تنتابنا مباشرة بعد سماعنا أو قراءتنا لشيء يتعارض ومفاهيمنا الشخصية لواقع معاش لا لَبْس فيه؟ أما السؤال الثاني فهو: يا تُرى هل نحن نقفز إلى استنتاجات سريعة دون أن نعطي لأنفسنا بعض الوقت للتأمل والتفكير مليًا لما يقال أو يُكتب؟ وهل هناك من طريقة أخرى للتعامل مع هذا الموقف وغيره من المواقف المتشابهة، والتي من شأنها أن تنتشلنا قبل أن ننزلق إلى ما هو أسوأ من مُجرّد استنتاج؟
عندما نجد أنفسنا وسط حالة صعبة من الاشتباك اللفظي، علينا أن نتوقف ونأخذ نَفسًا عميقًا ونسأل أنفسنا ”ما الذي نفكر فيه هذه اللحظة؟“ هذا يعطينا فرصة لأن نتراجع بعض الشيء ونغير من نظرتنا السابقة، بعد أن نرى الصورة كاملة وبوضوح لا يقبل الشك. كذلك علينا أن نُوسّع من نطاق رؤيتنا ومداركنا للأشياء وأن نأخذها من زاوية أوسع وأشمل، بدلًا من تبني تفكيرًا نفقيًا لاغيًا لمعظم الرؤى المكملة للصورة من زواياها المتعددة والمختلفة.
لا أحد يخالفك الرأي بأن بناء مهارات التكيُف الصحية تأخذ وقتًا ليس بالقليل وكذلك التدرب عليها، فما بالك بممارستها. هذا يدعونا أن نتحلى بالصبر وأن نُسْمع أنفسنا الكثير من العبارات التشجيعية التي تمدنا بالقوة وتدفعنا لتحمل المزيد من المسؤولية التي من شأنها زرع بذور الأمل في دواخلنا وطمأنتنا بأننا قادرين وأننا نمتلك القوة العقلية والعاطفية للتعامل مع أصعب الظروف.
من منا لا يرنو في بحثه أن يتوصل إلى وصفة سحرية تجعله يتمتع بصحة عقلية وعاطفية وإن تقدم فيه العمر. قدرتنا على التحكم في ذواتنا في ظل الضغوط الحياتية المتزايدة وتعزيز صحتنا العاطفية والفكرية هي الطريق الأمثل لعيش حياة طبيعية ذات معنى، ننعم فيها بالأمن الداخلي ونحوز فيها على التقدير الذاتي فضلًا عن تقدير الآخرين. دمتم سالمين