آخر تحديث: 28 / 4 / 2025م - 1:48 ص

الكلمات لها طعم‎

ياسين آل خليل

الكلمات لها قوة عجيبة وجبارة، بإمكانها أن تبني أنفُسًا وتُوقدُ حماسًا، كما أنها بمقدورها أيضًا أن تهدم وتُشْعل نارًا وكأن شيئًا لم يكن. ولأن معظم الكلمات التي تخرج من أفواهنا لها خلفية مزاجية، ينصح مُستشاري فن الكلام أن لا نخلط كلماتنا بأمزجتنا. فالمزاج يمكن تغييرهُ ولو بعد حين، إلا أنه من الصعب إسترجاع ما أطلقته ألسنتنا من كلمات، لنُعيد صياغتها بما هو أنسب وأفضل.

كلمةٌ طيبة تخرج من فمك لشخص ما، تقلبُ يومهُ إيجابًا وتفاؤلًا، وأخرى سلبية تُحولُ حيات نفس الفرد إلى جحيم لا يُطاق. والكلمات في أصلها ليس لها تكلفةٌ تُذكر، كيفية إستخدامها هو ما يُضفي عليها كُلفةً، عادة ما يدفعها المتحدث بعلم أو غير علم. من هنا علينا أن نكون حذرين في التعاطي مع مفرداتنا. الكلمات طابعها سلمي إلى أن تتلفظ بها ألسنتنا، بعدها مباشرة ترسخ تلك الكلمات في عقل المستمع وقد تستقر هناك سنين دون أن تُنسى. الكلمات الإيجابة والتي يراد منها خيرًا عادةً ما تنتهي إلى خير. أما السلبيةُ منها فلا يمكن لأحد عمل شيئ لتفادي عوارضها المدمرة، إلا طلب التسامح والمغفرة ممن قيلت في حقه.

ما يشهدهُ الناس اليوم من تردٍ في العلاقات قد تصل في بعض الأحيان إلى القطيعة، يرجعُ سببها في الغالب إلى نوبات من فلتان اللسان والتي يفقدُ فيها الفرد قدرتهُ على اختيار مفرداته المناسبة في الوقت المناسب والمقام. كثيرةٌ هي الأحيان التي نجدُ فيها أنفسنا غير قادرين على التحكم في عواطفنا، هذا الموقف لا يُفترض أن يتركنا في موقع العاجزين عن إدارة ألسنتنا وفقداننا التحكم في اختيار الأنسب والأجمل من مفردات اللغة.

عندما نعقل ونتفهم بأن لدينا أفكارًا رائعة، فإننا من البديهي أن نحرص ونبذل جهدًا موازيًا لحماية تلك الأفكار والذود عنها. وعندما نكون مُلمّين بما تحمله الكلماتُ من قوة وخطورة في نفس الوقت، يُرجّحُ العقل بقاءنا صامتين على أن نتفوه بكلمة سلبية نجهل أبعاد قوتها التدميرية. من خلال الدمج بين ما نحمله من أفكار راجحة وما نمتلكه من قدرة على اللعب بالكلمات، تتجسد مواطن الضعف والقوة في شخصيتنا.

كلماتنا هي بمثابة الهندام الأنيق الذي يسترنا ويُزيننا أمام الآخرين، وهي في نفس الوقت تلك الطاقة الخفية التي تُعّرينا وتكشف عن سوءاتنا. إختر من كلماتك أحسنها تزداد وسامةً وجمالا، وابتعد عن كل ما يٰمكن أن يُذهب ببريق شخصيتك وأناقة هندامك في أعين الآخرين.

قد تكتشف حينًا من الوقت أنك تفتقرُ إلى كلمات تتناسبُ والموقف الذي تمُرُ فيه، عندها لا يمكنك إلا أن تغلق فمك وتحجم عن التفوه ولو بكلمة واحدة. وإن بدى لك تصرفك هذا غبيًا، إلا أنه يحملُ من الحكمة الشيئ الكثير. أللسان عادة ما يتحدث بما يفيض به القلب من مشاعر وأحاسيس، فاعمل على أن تختار أجود ما يختزنه قلبك من مشاعر وطرّزها بالجميل من القول الحسن. أنت لست بأكثر من مفردات يعملُ لسانك على نسجها ليغزل تلك السمفونية التي ترقص لها القلوب وينصتُ لها عُشّاقُ الكلمة.

سيدي، الكلمات لها طعم ونكهة ورائحة تمامًا كالطعام فمنها ما هو حلوٌ كالعسل وآخرُ كالعلقم لشدة مرارته، فاحرص على تذوق كل مفردة قبل أن تعرضها على الآخرين. دمتم سالمين