آخر تحديث: 28 / 4 / 2025م - 1:48 ص

”نائلة“ الشموخ ومجتمع التناقضات

ياسين آل خليل

منذ نعومة أظفارها وهي مكان الفخر لأمها وأبيها. كذلك هو حالها في المدارس التي حضرتها وبين المربيات اللاتي أشرفن على تعليمها. هذا لم يأتي من فراغ وهي تلك النحلة التي لا تكل ولا تمل لتثبت لمحبيها بأنها القادرة على التميّز في كل مرحلة من مراحل حياتها المليئة بالإنجازات. هذه لمحة يسيرة من سيرة المرحومة الشابة الدكتورة ”نائلة آل فاران“. السؤال أين نحن كمجتمع قطيفي من كل تلك الإنجازات التي يحققها أبناؤنا وبناتنا على الصعيد الأكاديمي والعملي، وماذا فعلنا للإشادة بهم وبإنجازاتهم.

يوم الخميس الثاني عشر من نوفمبر كان يوم تشييعها إلى مثواها الأخير. أخذت نفسي وذهبت إلى المقبرة لأقوم بواجب العزاء لأهلها وذويها ولأقدم فرض الإحترام والتشريف لروحها الزكية على ما قدمت من خدمات جليلة لمجتمعها والكل يشهد أنها في مكان التزكية والثناء. هذا كله متوقع من مجتمع يصدح ليل نهار ويعتقد جازمًا أنه العارف والمتمسك بالقيم الإسلامية الأصيلة. مجتمع يرفع شعار ”هيهات منا الذلة“ وكم كنت أتمنى لو يعمل بها ونحن نعيش أيامها في شهر محرم الحرام. وصلت إلى المقبرة لأتفاجأ بحضور باهت من المشيعيين قد لا يتعدى تعدادهم المئة فرد. في الوقت الذي كنت أتوقع فيه أن تغص المقبرة بالمشيعيين إن لم تكن ”صفوى“ البلد قد خرجت برجالها ونسائها لتودع إنسانة فاعلة أفنت شبابها لخدمة مجتمعها في مجال هو من أصعب التخصصات على الإطلاق. أسألكم بالله أي تناقض مذّل للنفس البشرية أكثر من هذا..؟ ألا ينتابنا الخجل من أنفسنا عندما نتوارى خلف أصابعنا وننتظر عامًا جديدًا لنغرد ”هيهات منا الذلة“؟

قد يتهمك البعض بأنك سريع الإنفعال وبأنك تضخم الأشياء وتوليها أهمية كبيرة وإن كانت هي صغيرة. نعم هي صغيرة، لكن من وجهة نظر البعض المحدودة. اذا كان المجتمع يجهل أبناءه وما يحققوه على الصعيد الأكاديمي والعملي فهذه كارثة. أما إذا كان المجتمع يعلم ويغض الطرف فالكارثة أكثر إيلامًا وأعظم مهانة.

صحيح أننا كمجتمع مقصّرون في الإشادة بإنجازات أبناءنا وبناتنا في حياتهم، وهذه خطيئة لا تغتفر. أما أن نتبعها بإجحافنا وتخلفنا عن الحضور في يوم تشييعهم ورحيلهم عن هذه الدنيا الفانية فهذا أمر تندى له الجبين وتحتقره الأنفس وتنتقصه العقول.

اليوم هو دورك كخطيب وإمام مسجد وأستاذ مدرسة وكاتب رأي أن تفنّد هذا التصرف الغير حضاري من قبل أفراد المجتمع في تقاعسهم لرد القدر اليسير من الإكرام والتبجيل بحق كل من يفني حياته لخدمة مجتمعه وذلك بما يحمله من إنسانية قبل كل شيئ. وما التشييع الباهت للدكتورة ”نائلة“ إلا مثالًا حيّا لذلك التقاعس عن أداء الواجب. كفانا تبجحًا بإنسانيتنا وقدسيتنا ومكانتنا الإجتماعية. كفانا نفاقًا إجتماعيًا وكفانا التعامل مع بعضنا البعض بمعايير أقل ما يقال عنها أنها مرفوضة في زمن يؤمن بالأفعال لا الأقوال.

رحمك الله يا نائلة شرف البذل والعطاء بلا حدود. مقامك كبير عند رَبِّك بما كسبت يداك. أنزلك الله منزلة تليق بشرف مقامك الكبير. تعازي الحارة ومواساتي لأم الفقيدة ووالدها وأسرتها. إنا لله وإنا إليه راجعون. دمتم سالمين