أكرموهم أحياء.. التغييرُ المنتظر
أفتتح مقالتي المتواضعة هذه بأن أتقدم بفائق الشكر والاحترام لأبناء مجتمعي الحبيب في بلد النخوة ”صفوى“ لتجاوبهم وتواجدهم وتفاعلهم المنقطع النظير للمأتم الذي أقيم لمقام روح الشهيد الحاج عبدالله سعيد آل إبراهيم رحمة الله عليه. تجمع رائع بحجم الفقيد البار وهذا ما يُثلج الصدر ويُشعر المرء بأن مجتمعنا ما زال بخير والحمد لله.
المجتمع كما الأفراد يحتاج بين الحين والآخر إلى هزة من النوع الثقيل تنفض عنه ما علق من رواسب وعادات لا تتماشى وجوهر معدنه الصافي الذي لا يختلف عليه اثنان. العلماء الأفاضل وخطباء المنبر الأجّلاء وكتّاب الرأي والمثقفين الأكارم هم من تقع عليهم مسؤولية القيام بدور التنبيه والتوعية، فهم العين المبصرة والأذن الواعية التي تحمل أدق المجسات القادرة على معرفة صحة جسد هذا المجتمع وتحديد الخلل فيه، ليتم معالجته وتعديل مساره في الوقت المناسب ودون تردد أو تأجيل.
المجتمع لا يمكنه أن يكابر طويلًا ويغمض عين ليرى بأخرى. لا يمكن لمجتمع يعرف أبناءه جيدًا ويشهد بأم عينه إخلاصهم وتفانيهم وتضحياتهم الكبيرة بأوقاتهم ومالهم وحتى بأعصابهم أن ينتظر طويلًا دون أن يُعبّر عن هذا العطاء بوقفة تقدير وتكريم يشارك فيها أعيان ورجالات وأبناء المجتمع صغيرهم وكبيرهم في تظاهرة كبيرة تعكس مدى تماسك المجتمع وامتنانه لكل لبنة بناء قام بتشييدها الخلّص من أبنائنا وبناتنا على طريق العمل الهادف والارتقاء بالإنسان.
لماذا الناس في مجتمعنا يغضّون الطرف عن ذلك الجندي ويُبقونه مجهولًا لعقود، وما أن ينتقل هذا الجندي إلى جوار ربه حتى يصحوا من غفلتهم ليُعرّفوا به وبإنجازاته وكأنه لم يكن بينهم حتى خرج إلى الوجود. ألا يستحق هذا النجم وغيره من أبنائنا أن يشهدوا تلك الحفاوة والتكريم ويعرفون منزلتهم عند مجتمعهم قبل رحيلهم الأخير إلى غير رجعة..! للأسف الكثير الكثير من أبناء مجتمعنا الذين سٓمٓوْا بعطاءاتهم يعيشون حالة من الانتظار البطيء. تمضي الأيام والسنين وكأن الأعمال ومنجزيها لا تعني لأحد شيء. انتظار لذلك اليوم الذي سيغادرون فيه ساحات العمل، لكن للأسف إلى غير رجعة. يرحل المنجز سواء كان رجلًا أو امرأة وتبقى الأعمال شاهدة ومضيئة كنور الشمس، إلا أن الحال هو الحال. ذكرُ محاسن الميت أمر مطلوب ومحمود، إلا أنّ من واجب المجتمع أن يحتفي بقاماته من أبناء بلده في حياتهم وأثناء تواجدهم لا بعد أن يوارون الثرى.
بالأمس القريب ارتقى جندي مجهول إلى جوار ربه. وأقول مجهول لأن الكثير من أبناء مجتمعه لم تتسنى لهم فرصة التعرف عليه، ولم يحضى بمعرفته إلا القليل ممن التصقوا به وشهدوا مناقبه عن قرب. تلك القامات العملاقة لم تُخلق لتفني نفسها بعيدًا عن الأضواء. من واجب المجتمع أن يُعرّف بأبنائه ويُخرجهم للضوء بين حين وآخر ليتعرف المجتمع عليهم عن قرب ويحذوا حذوهم. للأسف ذلك الجندي المجهول وغيره من الجنود عليهم أن ينتظروا يوم حتفهم ليتسابق المتسابقون ويخبروا مجتمعهم عن تلك النجومية التي تحلى بها هؤلاء في حياتهم. هؤلاء ربما تنطبق عليهم الأية الكريمة ﴿مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾.
هل هذا فعلًا هو الواقع المحتوم الذي ينتظر النجوم والفرسان من أبناء ورجالات مجتمعنا. في هذه اللحظات وبينما أنا أخط هذه الكلمات تغرورق عيناي بالدمع حُزنًا على حال مجتمعنا الذي يبكيه القلب قبل العين أحيانا. لكني وكعادتي أحتسب خيرًا لأرجع من جديد وأُذّكرُ نفسي بأن هذا المجتمع لا يعرفُ المستحيل، وأنه قادرٌ على أن يقلب الطاولة رأسًا على عقب ليقول كفى. أنا متفائل بأن الانتظار هذا لن يدوم طويلًا قبل أن نرى جميعًا هذا المجتمع نفسه وقد هبّ عن بكرة أبيه في مهرجان كبير ليُكرم أحياءه من ذوي العطاءات التي لا يحدها حد ولا توقفها نهاية، ليستعرض سيرتهم العطرة المليئة بالإنجازات، قبل أن يُودِّعوا دنياهم بعد عمر مديد إن شاء الله.
سيبقى التفاؤل والإيجابية ديدننا لأننا هكذا تربينا وهكذا كانت نشأتنا وما زالت وستبقى كذلك. القادم من أيامنا مشرقٌ بإذن الله، كما هو محمّلٌ ومفعمٌ بالإيجابية والإنجازات. أما التغيير المنشود فلا محالة قادمٌ ونحن له لمنتظرون. دمتم سالمين