”الكفيف الذي أصبح بطلي“
تشرفت في وقت سابق بحضور مسابقة التوستماسترز رقم 9 التي نظمها فرع واحة القطيف. أحد المتنافسين وإسمه محمد الداؤود ألقى خطاباً بعنوان ”للإرادة صوت“. أثار محمد إعجاب الحاضرين جميعهم لكنه أثار إعجابي بشكل فائق. ألقى خطاباً مُلهماً برز فيه إتقانه لجميع مهارات الخطابة العامة؛ قد يبدو هذا أمراً طبيعياً أو غير مثير لأي استغراب، الى ان ندرك أن محمد كفيف!
محمد فقد البصر في عينه اليمنى بسبب ظرف صحي وباغته القدر لاحقاً لأن يفقد نعمة البصر في عينه الاخرى جراء خطأ طبي وهو في العقد الثاني من عمره. حلت هذه المأساة على محمد وهو في ذروة طموحه وخطواته الأولى نحو تحقيق الاحلام وتكوين أسرةً سعيدة مع رفيقة دربه. وما جعل الأمر أكثر ألماً وتعقيداً في حياته هو أن محمد مصاباً بمرض فقر الدم المنجلي الوراثي، والذي يصاحبه نوبات من الألم الحاد المتكرر نتيجة تكسر خلايا الدم مدى حياة المريض.
بيد ان محمد يمتلك إرادة حديدية ومعنويات الأبطال. وهو دائم الإصرار والمثابرة على المضي قدمًا من خلال التطوير الذاتي ليكون ذا قيمة كبيرة لنفسه ولمجتمعه. فقد أكمل تدريباً على الحاسوب الشخصي ليصبح مدربًا متطوعًا للمكفوفين. ومحمد أيضاً شاعر وكاتب وعنصر نشط في فعاليات المجتمع خاصةً تلك المتعلقة بمرض السرطان.
لايتوقف عطاء محمد عند هذا الحد، لكنه ايضاً مشارك وبطل في سباقات الجري الخيرية التي تقام في محافظة القطيف. وقد شارك محمد مؤخراً كأحد المرشدين الأساسيين في فعالية ”حوارٌ في الظلام“ وهو معرض تفاعلي يقدم للزوار عالماً بدون إبصار وذلك بأستخدام حواس السمع واللمس فقط دون استخدام حاسة البصر.
أخي أبا كوثر، ما هذه الإرادة الحديدية والعطاءات المتميزة التي يعجز اللسان عن الإشادة بها. أني أقولها وبكل صراحة أني لم أقابل قط في حياتي إنساناً - نحسبه من اصحاب الهمم - يسطر اروع الأمثلة في العطاء الذي تتواضع مع معينه الذي لا ينضب قامات وهمم الرجال.
انك يا أخي العزيز أقوى بعشرات المرات منا نحن أصحاء الأبدان والأبصار فنحن نتعثر أمام إنجازاتك، وننكمش أمام شموخك، ونقتصد أمام عطائك السخي. اخي ابو كوثر، بصيرتك وطاقتك الكامنة ستضيء الطريق كشعلةً إلى جيل الشباب ولكل من يعتقد ان الحياة قد هزمته.
أبا كوثر صاحب الإنجازات المميزة والمساهمات المباركة يحقق النجاح تلو النجاح بالرغم من العقبات التي يواجهها في حياته، الا ينبغي لنا ان نتأمل ملياً في ذلك كلما تفكرنا في حياتنا وتحدياتنا؟
وختاماً لك كل التقدير يا أيها البطل، من أخيك السيد عدنان السيد نعمة العوامي.
