القطيف تضج لفقده.. المنشد الحسيني «أبو سراج» نعى نفسه قبل شهر من موته
ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات يسودها الحزن، وبكلمات مليئة بالأسى والشجن ينعون ويأبنون بها رحيل الرادود المنشد عمار آل قريش من مدينة صفوى ظهر يوم العاشر من محرم الحرام بعد معاناة مع المرض.
وأعربوا عن حزنهم العميق، وخسارتهم برحيل خامة صوتية مميزة، كانت تصدح 40 عامًا، عُرفت في المنطقة بالإنشاد عن التراث القطيفي والوطن وأهل البيت
الذين عهد عنه تعلقه الشديد بخدمتهم في شتى المناسبات الدينية والاجتماعية.
وخط جمعٌ من رجال الدين وشخصيات اجتماعية على صفحاتهم مشاعر الحزن والألم على فراقه، مشيدين بحرصه ومحافظته على صلاة الجماعة، وسباقه الدائم لأن يصدح صوته بالأذان.
ونعى الشيخ عبدالله اليوسف وفاته، مشيدًا بمحبته للحسين
وعشقه له وتقديمه العديد من القصائد الولائية بصوته الشجي في حب الحسين وأهل البيت الأطهار.
وأضاف «شاء الله تعالى أن يكون رحيله المؤلم في يوم شهادة الحسين
ومصيبته».
وأشار الشيخ اليوسف إلى كون الفقيد صديقًا عزيزًا إليه، مؤكدًا على شهادة كل من عرفه وجالسه بالأخلاق العالية، قائلًا «لا تفارقه الابتسامة الصادقة، وطيب الكلام نسأل الله تعالى أن يحشره مع الحسين في جنات الخلد بحق محمد وآله الأطهار».

واقتطع الشيخ حسين المبارك من وقت المجلس الحسيني المقام في مأتم الزهراء بصفوى ظهر اليوم، لينعاه بقوله: ”اعتدنا أن نحيي ذكرى شهادة الإمام الحسين
في اليوم العاشر من محرم كل عام، وفي هذا اليوم نفسه من هذه السنة خصوصاً عرجت روح خادم أهل البيت
الحاج عمار آل قريش، إلى بارئها في ركب الإمام الحسين
“، واصفاً رحيله في هذا اليوم بالهدية وقبول الخدمة من الإمام الحسين
.
وتحدث الشيخ سعيد مكي الخويلدي عن حرصه ومحافظته على صلاة الجماعة قائلًا «وكم وكم رأيتك تعدو مسرعا نحو أبواب المسجد حتى لاتفوتك ركعة واحدة، كما كان صوتك الشجي يصدح من على المئذنة رافعا الأذان داعيا حي على الصلاة» في مقال بعنوان «نم قرير العين يا أبا سراج» تم نشره في صحيفة جهينة الإخبارية.
ونعاه بأسى وهو يقول «لقد أبيت أيها الفارس الشجاع إلا أن تترجل عن صهوة جوادك يوم تساقط أصحاب الحسين.
أجل لقد أبيت إلا أن ترحل في يوم العاشر من المحرم بعد أن طلبت رغم اوجاعك الاستماع لمصرع الحسين ولا زلت تنشج نشيجا وتزفر زفيرا حتى شهقت نفسك وأسلمت الروح لبارئها».
وخاطبه مودعًا «نم قريرا أيها العاشق الواله في يوم سكنت فيه أنفاس الآل الكرام. ووداعا فلقد أضرمت نار الشوق والأحزان برحيلك المفاجئ، وحيث تركت أحبتك على حين غرة يكابدون ألم الحسرة والفراق. فطب وافدا واهنأ مسافرا فلقد وافاك الحسين في يومه الأكبر».
ومن جانبه، نعاه الشيخ محمد عبدالعال قائلًا «رفعت راية الحسين منذ نعومة اظفارك وبقيت ترفعها أيها السراج ابا السراج وآليت على نفسك أن تبقى رافعا لها ولا تسقط من يدك إلى أن سقط امامك الحسين
وأصحابه».
ولفت إلى أن خدمته للحسين
ستبقى منارة وراية يهتدي بها عشاق الحرية والسلام.
وأضاف القول «إلى عفو الله ورحمته أيها المسكون بحب الحسين وأيها المتفجر طيبة وحنانا وعذوبة من طيبة وحنان وعذوبة الحسين طبت صوتا وحنجرة وطبت سيرة وعملا ونهجا».
وخاطبه المخرج محمد الحلال في صفحته قائلًا «اخترت الرحيل في يوم مميز هو يوم أكبر ملحمة في التاريخ والتحقت بالركب الحسيني وعلى خطى الكربلائيين» مؤكدًا بأن «لا شيء صدفة» وإنما هي كرامة له مهنأه بهذا الختام.
وبذاكرة يملؤها الحزن، تحدث ابن خالته جمال آل عباس عن اسم آل قريش الذي طرق الآذان بشكل متكرر على مدى أكثر من 40 عام «بمعنى منذ عام 1980م».
ولفت إلى مكانته التي حذا بها إذ أصبح علماً من أعلام المنطقة والعالم الشيعي بأسره، حيث كان يصدح بصوته الرسالي الولائي ”الذي لا نظير له“ في جميع مناسبات أهل البيت
بالإضافة للمناسبات الاجتماعية الكبيرة.
وقال بأن رحيله في يوم عاشوراء؛ يوم استشهاد أبي الأحرار وسيد الشهداء أبي عبدالله الحسين وأهل بيته وأنصاره
لهو أكبر مصداق لقبول عمله ولعظيم شأنه وعلو مكانته عند ربه، مؤكدا بتركه بصمة لها وقع ٌمن نوع خاص في قلب كل موالي لمحمد وآل بيته.
ورفع أمين العقلي منشورا على حسابه في الفيس بوك يُذكر فيه أن المغفور له ”أبو سراج“ غني عن التعريف وغالٍ على الجميع، مبيناً أن مشاركاته في أكثر المناسبات الاجتماعية واشتهر بصوته الصداح الشجي، فما أن يسمع صوته حتى ينجذب له السامع مباشرة.
كما أضاف: ”إن الراحل أنموذجاً فريد من نوعه بمجرد أن تلتقيه لا تود أن تفارقه بتلك البسمة وتلك النكتة، إذ يداعب الجميع ويوزع ابتسامته على هذا وذاك، أحب مجتمعه فأحبه الناس، فهكذا هو أبو سراج تربع في قلوب الجميع بما يحمله من دماثة خلق وصفات حميدة“.
ووصف الشاعر محمد بن عبدالمحسن في صفحته على الفيس بوك الراحل آل قريش بأنه «قطعة من جنة الله على أرضه»، مبينًا بأن ذلك وصف مختصر لنقاء سريرته.
وتطرق لمشاركته معه في عدة أعمال مشتركة شعرية وإنشادية، لافتًا إلى عدم اقتصار نشاطه الاجتماعي على الإنشاد وإنما كان يكتب الشعر.
وتحدث عن مشاركته معه في كتابة نص شعري بعنوان «نمير الشوق» لإصدار «ألحان الشوق» بأداء المنشد علي هلال، كما شارك معهم في إنشاد أوبريت لمولد الإمام الحسن بن علي
بمسجد الحمزة بن عبد المطلب
بسيهات مشيراً لمشاركة المنشد ماهر الحمدان معهم.
وبين مشاركته في عمل إنشادي يخص استيديو ميثاق للمهندس رائد آل نتيف بعنوان «جنازة مسيرة» حيث شاركه أداء الكورال.
واستذكر جملة وجهها له لا زالت مطبوعة في ذاكرته ووجدانه حيث قال له «الشاعر ذو الصوت الجميل سريع التأثير في المتلقي وأنت تملك الموهبتين يا أبا فاطمة، أرجو أن تواصل مشوارك ولا تنظر للوراء».
وأكد بن عبدالمحسن بأن كل تلك دلالات على تواضع ذلك الإنسان الجميل طيب الأصل وتحفيزه للطاقات الشابة، مستدركًا بحزن «حق للقطيف بأن تحزن لوداع قامة لن تعوض، رحمك الله أبا سراج رحمة الأبرار وأسكنك الجنة مع محمد وآله الأطهار».
وبخاطرٍ حزين، وحديث شجي نعى الناشط الاجتماعي يحيى قريش - ابن عم الفقيد -، مستذكرا مآذن المساجد التي صدحت بصوته حيث كان موحدًا لله الواحد الأحد.
وأضاف قائلًا «قبل خمس دقائق من دخول أذان الظهر من يوم العاشر من محرم الحرام 1442 فاضت روحك إلى بارئها لتلقى الله الرحمن الرحيم بطهر ونقاوة قلبك، وللعاشر من محرم لك حكايات مع الحسين فرحيلك عن هذه الدنيا كان وقت دخول أذان ويوم مصرع الحسين في كربلاء الذي كنا ننتظر سماع نعيك عليه وعلى أصحابه وعياله».
وأكد على بقاء صوته وترنيماته تعج وتضج في الآفاق، مؤكدا على أنه لم يفجع أهله برحيله المفاجئ بل فجع مجتمعٍ بأكمله.
ونوه فراس سلمان آل حبيب إلى تخليد الفقيد آل قريش اسمه بسيرته العطرة، مشيرًا إلى أن التاريخ سيسجل بأن صفوى أنجبت بلبلاً غرد في حب آل بيت النبوة وصدح في مصاب الحسين حتى أسمع القاصي والداني.
وتسائل قائلًا «أستعجلت الرحيل يا أبا سراج...؟ أم أن عجزك عن خدمة الحسين في هذا اليوم جعلك تصبو الى لقائه!... فاختار الله عز وجل لك لقاء حبيبه واستجاب لك لمعرفته بعشقك وتفانيك في خدمة المعشوق».
وأضاف «وقد صدقتك بأن الحسين لا يبخس شوق من اشتاق إليه... فطوبى لك هذ الحب وهذا الرحيل... ونحن عيوننا للفراق تسيل فأنت السعيد بلقاء المعشوق لأنها كانت رغبتك.. ونحن المثلومون بفقدك والمجروحون لفراقك».
وعبر آل حبيب عن حزنه بأن ينعاه وهو الذي كان يتمنى أن يرثيه الفقيد عند رحيله، مقدمًا عزاءه لعائلته ولعشيرته الكبرى ولصفوى والقطيف جميعًا.
وكان الراحل أول من نعى نفسه، وذلك قبل شهر من يوم وفاته، حين عرف أن الوباء وانتشاره سيحول بينه وبين مشاركاته في مأتم الامام الحسين
في خاطرة تحاكي شعوره بالحسرة قال فيها:
ربما لم أنشده، لم تبلغ خطواتي مأتمه!
لكن كل ذرةٍ في بدني ولهٌ لا يخفى، وكل نبضاتي قيد السبيل إليه
إن صوتي هذا القليل، يضيعُ في فضاءاته..
أتراه لم يلتقط صداه، او لم يسمع الآه الشائكة في صدري؟!
لا بل هو أعظمُ من ذلك، لأن كل زفير وشهيق من خادم مشتاق
هي ركض إلى سماواته.. يقطف حسرات المشتاقين
يجمعها في ماعون القلب، يغربل خدمتنا في غربال الحب..
إن بين يديه لا ينضبُ غدق الخدمة..
لأنني وحتى إن كنت معفيّ من الخدمة من الحكومة الإلهية..
إلا أنني ما زلت أسمى خادم..
تخيل فقط إن بريقَ دمعتِك يُضيءُ في صدره
أن لست بحزين..
لأنني أعلم أن الحسين لا يبخسُ شوقَ من اشتاق إليه..























































