القطيف تجمع روادها في ورشة الترجمة والشعر
شهدت الأمسية التي أقامتها تمائم أدبية بعنوان ”الشعر والترجمة“ وقدّمها الشاعر والمترجم صالح الخنيزي حضور نخبة من الشعراء والمترجمين. وذلك في صالة تجمع الرواد الثقافي بالقطيف مساء الخميس.
وأكد الشاعر رائد أنيس الجشي أثناء مقدمته الافتتاحية أن فعاليات تمائم كانت ولا تزال تسعى لتقديم ورش عمل تطبيقية أبعد ما تكون عن التلقين والمحاضرات الاعتيادية، ولهذا يشكّل الجانب المعرفي الذي يضيفه الجمهور ركيزة رئيسة تنصب في متن العمل المقدّم وليست محسوبة على هامش الفعالية.
وأشار الجشي إلى زمالته لمقدم الأمسية الخنيزي في عدد من مشاريع الترجمة وأسلوبه في سعيه الحثيث لإضافة المكملات المعرفية بعد رجوعه إلى الجذور الأولى للمادة وقولبتها في اللغة المنقولة إليها.
وقسّم الشاعر والمترجم الخنيزي هذه الورشة إلى جانبين: نظري، وآخر تطبيقي. مارًّا بمحاور عديدة فبعد أن استعرض تعريفا للترجمة موضِّحًا عناصر الترجمة Elements of translation ”اللغة المصدرية، المعنى/الإشارة اللغوية، واللغة المستهدفة“ انتقل إلى أنواع الترجمة بحسب رومان ياكبسون والتي جعلها: الترجمة ضمن اللغة الواحدة، بإعادة صياغة الكلمات، والترجمة بين لغتين مختلفتين، وأخيرا: نقل إشارة نص لفظي إلى آخر غير لفظي مثل تحويل رواية العطر لفيلم، والتي اصطلح عليها ب الترجمة السيميائية.
وقدم المترجم صالح الخنيزي عن المصطلحات المتداخلة مع الترجمة Obgective Correlative من عدة نواحٍ: كالمعادل الموضوعي والذي قال بأنه سلسلة من الإيحاءات والرموز التي يكثفها الكتّاب لمنح دلالات غير مباشرة، مفصّلًا الطريقة التي يترجم بها الكتاب للتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم.
وتوقّف عند الشكل والمعنى في الشعر، ومن ثم تناول الذات وتمثلاتها في الحياة اليومية، مرورًا بالقناع والتناص، وأما الترجمة من منظور ثقافي، سياسي واجتماعي فمن ضمن ما أشار إليه تحت هذا العنوان جاك لوندون، والذي يعتبر روائيا ذا أهمية أقل مقارنة بغيره من الروائيين الأمريكيين.
وأضاف: أصبح يتبوأ مكانة رفيعة في روسيا وغيرها من دول الاتحاد السوفيتي السابق ضاربًا بذلك مثالا واضحا للكيفية التي يمكن للترجمة أن تغير حظ كاتب ما، وأتبع ذلك بما أورده من مقولة هينري ميشونيك عن شيخوخة الترجمة: ”إن هناك ترجمات طواها النسيان لأنها كانت إنتاجا مطواعا لإيديولوجيا ما“.
وأعطى الخنيزي مزيدًا من النماذج كما لدى إدوارد سعيد، والباحثة الهندية تيجاسويني نيرانجانا، ويأتي الجانب التطبيقي في هذه الورشة من خلال محور ”قدرة تسلل المترجم من الذات إلى الآخر“ وتمثل ذلك في استعراض قصيدة بشكل مباشر من على اليوتيوب، لتدوين الملاحظات لأخطاء شائعة في الترجمة بتناول نص راسيل اديسين المعنون ب ”عرض بمسرح الخنازير“.
وتلا ذلك نص The Coming of Light لـ مارك ستراند، وقد قُدِّم مصحوبًا بخمس ترجمات؛ بغرض التوقف على الاختلاف بين النص الأصلي وكل ترجمة اقترابًا وابتعادًا من الصواب، يشار إلى أن المادة كانت معدّة وموزعة على جميع السادة المترجمين الذين حجزوا تذاكر مجانية للدخول إلى الورشة ضمن مذكرة ورقية مطبوعة حتى يتسنى لهم المشاركة بفاعلية في كل جولة من جولات النقاش.
وكانت الورشة لاقت تفاعلًا كبيرًا ومداخلات وملاحظات عديدة منها: ملاحظة الأستاذ المترجم ممدوح القديحي الذي أشار إلى أن أي ترجمةً لم تخلُ من ركاكة في إعادة صياغة العبائر المترجمة، وأن هناك بعدًا سياقيًّا مغيبًا عنها جميعًا. فيما ذهب الشاعر والمترجم عبد الوهاب أبو زيد إلى عدم مراعاة السياقات الزمنية للجمل في النص من خلال اختلاف دلالة الزمن في الفعل، وعن اكتمال أو نضج ترجمة عن أخرى أوضح أبو زيد أن ليس هناك ترجمة واحدة تضم جميع الفقرات بمستوى الإتقان، وقد تجد عبارة ترجمتها مميزة عند أحدهم، ويتميز آخر في ترجمة عبارة أخرى، وليس هناك قول فصل في الترجمة.
وأشار في الوقت نفسه المترجم غسان الخنيزي إلى معالجة إشكالية كون اللغة الإنجليزية يهيمن عليها الجمل الاسمية، واختلاف ذلك أثناء الترجمة، فيما أشار الشاعر مالك آل فتيل إلى طغيان الترجمة الحرفية على جو النص أحيانًا، بينما أكد الشاعر والمترجم منير عليمي من تونس على عدم إغفال ثيمة الرتم والإيقاع في ترجمة النص الشعري والإيقاع أوسع دائرة من الإيقاع العروضي، مشيرًا إلى مستوى التأويل في فهم النص بإرجاعه إلى المكوّن المثيلوجي.
وآخذ محمد آل قرين إغفال ترجمة ما الدقة في أخذ تركيب صرفي ونقله مترجمًا إلى تركيب آخر كما حدث في عدم التفريق بين المصدر الصريح والمصدر المؤول وما لكل منهما من اختلاف في التركيب والدلالة، بينما رأى المترجم عبد الله الهميلي أن وظيفة المترجم القيام بإعادة البنى التركيبية أثناء ممارسة عملية الترجمة، وهو واقعًا يخلق نصًّا جديدًا مقابل النص الأصلي يصح أن ينسبه المترجم لذاته مجازًا.
واعترض الشاعر علي مكي الشيخ على غياب العذوبة اللفظية في إحدى الترجمات للنص وعدم مراعاة الموسيقى الداخلية للألفاظ، وتوقّف كثيرًا عند تركيب ”وهاج غبار الغد“. بينما أشار الشاعر فريد النمر إلى افتقار الترجمات المستعرضة للاصطلاح المتلازم للحالة والموقف الشعوري خاصة بتغييب المترجم للفظ ”الزفرة“ المتساوق مع موضوعة الأنفاس.
وأشاد رائد أنيس الجشي بإحدى الترجمات المتضمنة انسجام الحركة الشعرية في لحظة الوهج المنبعث من احتراق الشمعة مع تصاعد أنفاس التأمل. وتساءلت الأستاذة التوستماستر حليمة درويش عن إمكانية استبدال اللفظ الرمزي الوارد في سياق خاتمة النص بلفظ دال على الحالة الواقعية والحقيقية، حيث وجدت إن لفظ البشر أكثر ملائمة.
واختتمت الورشة التطبيقية بمداخلة قيمة للمترجم والمحقق الأديب السيد عدنان العوامي بذكر مؤاخذاته على بعض المترجمين المستشرقين ك ”وليم بلجريف“ وكما كان ”تشارلز شيفر“ في ترجمته لرحلة ناصر خسرو ”سفر نامه“ وأعطى أمثلة على خلط الأماكن
وكذلك الخطأ في نقل بعض الأسماء في الجزيرة العربية وكذلك ملامح البيئة والأمكنة، والفرق بين ترجمة أنس الرفاعي وترجمة عيسى أمين























